أوهام تحكم الفكر
(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) فقد كانت الآمال معقودة عليك في قيادة المجتمع نحو الخير لا نحو الشرّ ، (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأوثان التي قدّسها الآباء وعبدوها أجيالا؟ ألا تسيء بذلك إلى ذكرى الآباء ، وتتمرّد على قداستهم؟ فهل يمكن أن نحكم عليهم بالجهل وتقديس الخرافة في ما عبدوه كما تقول؟ وهل نستطيع الادّعاء بأننا نفهم أكثر مما يفهمون ، ونعرف أكثر مما يعرفون ، وهم أصحاب التجربة والفكر والسبق في التاريخ؟ وهل يتعلم الجيل الحاضر ، إلا من الأجيال الماضية؟ هكذا كانت كل هذه الأوهام تتسابق إلى أخيلتهم في ما يعتبرونه أساسا لتقييم الفكر ، أو تقديس التاريخ ، أو لتمايز المجتمعات.
(وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) فقد لا تكون المسألة بالنسبة إليك مجرد فكرة تريد إثارتها أمامنا أو دعوتنا إليها ، بل قد تكون هناك خلفيّات وأهداف مشبوهة تتّصل بطموحاتك ومصالحك ، مما قد يتعارض مع أوضاعنا وطموحاتنا ومصالحنا ... ولهذا فإننا ننظر إلى المسألة نظرة اتهام منشؤها سوء الظن بك ، وبما تضمره من سوء للمجتمع ، وهكذا يبدو أن هؤلاء القوم لم يرغبوا في مناقشة المسألة من ناحية المضمون على أساس احتمال الصواب والخطأ فيها ، لأن رفضهم للدعوة حاسم ، بل أرادوا مناقشتها من ناحية الدوافع الذاتية الكامنة خلفها ، والله العالم.
* * *