وفي كل حركة حكمة. فالخلق ليس عبثا ، بل هناك قواعد تحكم كل شيء وتنظّمه وتفصّله وتجعل كل الأمور مشدودة إليه ، مما يوحي للإنسان بأنه يعيش في كون يتحرك ويقف بحساب ، ويجد فيه كل المنافع والغايات التي توجهه إلى وجهته التي أراد الله أن يبلغها. وهكذا كان الليل والنهار آيتين من آيات الله التي تحمل ـ في مضمونها وحركتها ـ أبلغ الدلالة على وجود الله وقدرته وحكمته ، فهما ينقصان ويزيدان ويتعادلان ضمن معادلة كونية في حركة الأرض ونظام الشمس ، فلا ينحرفان عن خط التوازن قيد شعرة ، بل يلتزمان ـ في حركتهما الكونية ـ الخط الدقيق الذي يسير باتزان وحكمة ودقّة ، لينظم للكائنات وجودها ، وليؤمّن للإنسان الكائن الحي المتحرك شروط حياته في انطلاقة الشروق في الأرض ، حيث يفتح النور كل عيونه ، وليعطي لكل موجود عينا مبصرة تحدّق بما حولها ومن حولها ، ليجد موارد رزقه ومصادره في الأرض التي تظهر له كل كنوزها ، ليكتشفها في ما تخبئه في أعماقها من معادن وثروات وينابيع ، أو ليزرعها من البذور التي تنمو وتخضرّ وتستطيل وتمتد ، فتمنحه الغذاء المتنوع ـ من الخضرة والفاكهة والحبوب ـ الذي يمده بحيوية الحياة في داخله ، ويتحرك بما يفيده في المجالات المختلفة المتنوعة ، سواء في عملية التواصل والتبادل بين أفراده ، أو في طريقة السيطرة التي يمارسها على ما خلقه الله من الحيوان في آفاق الفضاء ، أو في أعماق البحار ، أو في أغوار الكهوف ، أو على سطوح الأرض وفي سهولها وجبالها ، مما ينتفع بلحمه أو بجلده ، أو بلبنه ، أو بصوفه وشعره ووبره ، أو مما ينتفع بركوبه أو بحمله الأثقال عنه أو غير ذلك من الخصائص التي أودعها الله فيه من دواء أو غيره. وهكذا يجد في هذا النهار المبصر ، العين الإلهية التي تفجر النور في الكون ، وتكشف عن عينيه كل غشاوات الظلام الذي يمنع الرؤية. وهذا هو الفضل الإلهي في حركة الرزق وحماية الوجود وتنوّع الحياة.
* * *