بالعكس بأن كانت هذه الآية تصويرا للحالة النفسية التي يعيشانها في مواجهة الموقف ، لتكون الآية الأخرى تقريرا للموقف في طبيعته ، فتكون المسألة هنا مسألة اختلاف في الأسلوب. وقد أجاب بعضهم بأن خوفهما في تلك الآية على نفسيهما ، وفي هذه الآية على الدعوة ، أو على قومهما ، وهو غير ظاهر ، لأن الظاهر أن الموقف واحد في الآيتين. والله العالم.
* * *
الله يشدد عزم موسى عليهالسلام وهارون
ونلاحظ في هذه الآية نقاط الضعف البشرى التي يعيشها النبي والتي تتحرك في شخصيته بشكل طبيعي ، حتى في مقام حمل الرسالة ، فيتدخل اللطف الإلهي من أجل أن يمنحه القوة الروحية التي تفتح قلبه ، بعمق ، على التأييد الإلهي في أوقات الشدة ، الأمر الذي يعطي الفكرة بأن النبي يتكامل في وعيه وقوته وحركته في الرسالة. (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) فإنكما لا تحملان رسالة عادية تبلغانها بالطرق العادية المألوفة لتواجها الموقف بهذه الطريقة ، بل إنكما تحملان رسالة الله الذي يملك الأمر كله ، ويحيط بالموقف كله ، فلا يعجزه شيء ، ولا يغيب عنه شيء. فلا تتعاملا مع المسألة من زاوية المعطى المادي فقط ، بل انظرا إلى إيمانكما في العمق لتنفتحا على الله سبحانه في حضوره الشامل الذي يوحي بالثقة والاطمئنان إليه ، ولا تكترثا للقوة البشرية الطاغية مهما علا شأنها. لا تخافا من فرعون وجبروته لأنكما تؤمنان بالله ، وتحملان رسالته ، وتعيشان رعايته وعنايته فأنتما مستندان إلى قوة الله ، فلا تخافا إنني معكما ، كأقوى ما يكون الحضور ، أسمع وأرى ، كأفضل ما يكون السماع الذي لا يغيب عنه شيء ، وكأوضح ما تكون الرؤية التي لن يحجبها شيء.
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أعلنا صفتكما ليكون لكما قوة التأثير عليه ،