رحمتك وقدرتك ، وتلك هي سعادة الروح المتصلة بالله ، في ما تحبه ، وفي ما تريده ، فلا مجال للإحساس بالشقاء الداخلي ، مهما كانت الأوضاع والظروف.
من هم مواليه وما ذا كان يخاف منهم
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) من هم هؤلاء الموالي؟ قيل إنهم عمومته أو بنو عمّه ، وقيل الورثة. ولكن ما الذي كان يخافه منهم؟ ذكر البعض أن زكريا كان يخاف أن يرثوه ، كناية عن خوفه من أن يموت بلا عقب ، ولكن التعبير لا يسمح باستيحاء ذلك لأن الكلمة توحي بأنه يخاف منهم أمرا من الأمور التي تتعلق به وتتصل بساحته. وقد لا يكون من الطبيعي أن يكون مصدر خوفه التركة التي سيخلفها من بعده ، لتكون المسألة أنه يخافهم ويخاف أن يرثوها عنه ، لأن ذلك لا يتناسب مع ما يعلّقه زكريا على مسألة الاستجابة لطلبه من أهمية ، بالمستوى الذي يستعجل فيه تحقيق طلبه ذاك ، وهو الولد من صلبه في تلك السن المتقدمة من العمر ، التي تجعل من تحقق ذلك الطلب عبر الوسائل العادية أمرا مستحيلا ، ولا سيما إذا عرفنا أن مسألة الرغبة في الولد بوصفه امتدادا في الوجود عبر الولد ، هي حاجة غريزيّة لم تسبّب عدم إمكانية إشباعها أيّة عقدة في حياة زكريا الأولى عند ما كان في فترة الشباب ، بعد اكتشاف عقم امرأته. فلما ذا لم يقدم ذلك الطلب بوقت مبكر ، ولما ذا لم يحاول الزواج بغيرها إذا كان المانع منها لا منه ، وقد كان تعدد الزوجات أمرا مشروعا لديهم كما نلاحظه في قصة إبراهيم عليهالسلام.
ربما يذكر البعض أن صلاح مريم (ع) وكرامة الله عليها في ما شاهده من أمرها جعله يحب الأولاد ليكون له منهم ما يماثل مريم ، في قربه من الله وكرامته عليه ، الأمر الذي أثار شعوره بالحرمان ، وأدى إلى الإلحاح بالدعاء للاستجابة إليه في طلبه.