الزهو الذاتي بعيدا عن مسألة الرسالة الهادية التي تعمل من أجل التوعية على الإيمان ، لا القهر والغلبة. ولذلك وقف وقفة الرسول الذي ينذر هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم أدوات إضلال للناس لخدمة الطاغية الجبار ، من دون أن يحسبوا حساب النتائج السلبية المستوجبة عذاب الله في الدنيا والآخرة. ولهذا كانت خطة موسى أن يثير الخوف من عذاب الله في أفكارهم ومشاعرهم ، (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) في ما تعتقدونه من عقائد باطلة ، وفي ما تنسبونه إلى مخلوقاته من قوى خفية غامضة ، وتتوسلون به من وسائل مزيفة خادعة ، وتتمسكون به من شرائع باطلة كاذبة ، (فَيُسْحِتَكُمْ) أي يستأصلكم ويهلكهم ، (بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) لأنه لن ينال الفلاح في الدنيا والآخرة.
* * *
التنازع فيما بين أعوان فرعون
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) بما أثاره موسى في مشاعرهم وأفكارهم من الخوف والقلق والحيرة ، لأنهم شعروا أن هذا الرجل ليس ساحرا لأن لغة السحرة ليست لغة فكر وهدى وإيمان ، بل هي لغة استعراض للقوة ، واستهانة بالآخرين ، وشعور بالاستعلاء. ولهذا فقد دبّ فيهم الخوف من صدق هذا الرجل ، ومن قوته الروحية الخفية التي لا تتحرك من حالة استعراض ذاتي ، وبدأ الخلاف بينهم ، ولكن قوما منهم ، أو من خارجهم ، حاولوا أن يصرفوا المسألة عن الموقع الحقيقي للنزاع والخلاف ، وهو الإيمان بالله وحده ، والكفر بكل الآلهة المزيفة المدّعاة ، ليثيروا الجانب القومي أو الإقليمي الذي يربط الناس بالفئة الحاكمة من خلال الإيحاء بأنها هي التي تحمي للناس أرضهم ووجودهم فيها ، أمام الجهات التي تريد أن تلغي وجودهم في أرضهم وتصادر حريتهم.