ثم بدأت عملية التهديد بالعقاب ، في محاولة فرعونية لدفعهم إلى التراجع عن موقفهم ، والابتعاد عن موسى ، ليضمن بذلك الحصول على بعض ما فقده من القوة المعنوية أمام الجماهير.
(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) أنا أو موسى ، لتعرفوا من هو الأقوى ، ومن هو الأبقى. وستندمون لأن موسى عليهالسلام لا يملك أي شيء من سلطة الدنيا وسطوتها ، فلن تحصلوا منه على شيء ، بينما أملك كل شيء من حولي وكل مواقع القوة والنفوذ ، فأعطى من أشاء وأمنع من أشاء ، وأقتل من أريد ، وأعفوا عمن أريد ..
ولكن القوم قد دخلوا في عالم آخر .. فقد التقوا بالله في روحية الإيمان به ، وقد انفتحوا من خلاله على عالم القدس والطهارة ، وعاشوا مع عالم الغيب المطلق الذي لا تحده أية حدود. ولم تعد الدنيا تمثل لهم أي شيء في غناها وفقرها ، ورفعتها وضعتها ، وقوتها وضعفها ، بل أصبحت الآخرة أكبر همهم وأفضل طموحاتهم ، ولذلك كانت مواجهتهم له من موقع القوة الكبيرة المتحدية في روحيتهم الهادئة الصافية المطمئنة.
* * *
السحرة يواجهون فرعون بقوة الإيمان
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) الواضحة التي تؤكد لنا الحقيقة من دون شك أو شبهة ، فكيف نتنكر لها ، ونتركها من دون أساس؟ وماذا تمثل أنت لنا أمام حقيقة الإيمان؟ وماذا تمثل طريقتك في الحياة؟ ما هي قيمك؟ وما هي شريعتك؟ وما هي مفاهيمك؟ هل تثبت بالمقارنة أمام قيم الإيمان وشرائعه