(لَنَنْسِفَنَّهُ) : لنذرينّه.
* * *
موسى عليهالسلام في مواجهة رواسب الكفر عند قومه
... وانتقل موسى بقومه إلى شاطئ الحرية والأمان ، وهلك فرعون وجنوده. ولكن ، هل استوعب بنو إسرائيل أجواء الرسالة الروحية التي تنفتح بهم على الله؟ وهل وعوا كيف استطاعت حركة موسى الرسالية أن تحررهم من عبودية الإنسان ، لتنقلهم إلى عبودية الله في ما توحي إليهم بالحرية أمام الكون كله؟ ربما كانت مسألة استيعاب الرسالة ، ووعي المعنى العميق للحرية يحتاج إلى الكثير الكثير من الجهد والمعاناة ، والوقت الطويل. وهذا ما نحاول أن نستوحي بعضه من هذا الفصل المثير ، في قصة موسى ، من هذه السورة.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) الذي استعبدكم واضطهدكم وفرض عليكم نفسه من موقع الربوبية ، وسخركم لمطامعه ، فكنتم قاعدة ملكه وجبروته ، وذبح أطفالكم واستباح نساءكم ، وعشتم زمنا طويلا معه ، من دون أن تحلموا بالحرية الإنسانية التي تحترمون فيها إنسانيتكم ، فلم تفكروا بالثورة عليه ، لأنكم كنتم تعيشون الانسحاق الروحي أمامه. وأرسلنا لكم موسى برسالتنا ، فواجهه بها ، وأيدناه بنصرنا حتى انتصر عليه ، وجاء بكم من مواقع العبودية إلى ساحات الحرية ، وأرجعنا لكم إنسانيتكم المسلوبة ، (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) الذي واعد الله به موسى لينزل عليه التوراة التي فيها شريعة الله التي تصلح لكم شؤونكم وتنظم لكم حياتكم ، وتقودكم إلى واحة الرسالة الإلهية ، (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) الذي فيه الغذاء الشهي ، لتبدأوا حياة جديدة في رعاية الله وعنايته ، وفي شعور غامر بالكرامة الإنسانية التي تربطكم