ولهذا كانا لا يشعران بوجود عورة ، لأن ذلك هو وليد الشعور بالمنطقة الخفية من شخصية الإنسان في ما يختزنه في داخله من أفكار وأحاسيس كامنة في الذات. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) في عملية تغطية وإخفاء وتخلص من العار ، (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) وابتعد عن خط الرشد الذي يقود الإنسان الى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ، ولكن هذا الانحراف الطارئ البسيط لم يكن حالة معقدة في عمق الذات تفرض عليه الاستسلام للخطيئة كعنصر ذاتي لا يملك الانفكاك منه ، بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تثوب إلى رشدها ، لتدخل في عالم الاستقامة من جديد ..
* * *
كيف نفسر معصية آدم عليهالسلام؟
وهناك حديث كثير في علم الكلام ، عن معصية آدم ، باعتباره نبيا معصوما ، في ما تفرضه صفة النبوة من العصمة التي تحمي المجتمع من انحرافه في مقام الدعوة ، أو في مقام التطبيق ، ويتساءل العلماء عن الآية التي تصرّح بالمعصية ، ويجيبون تارة بأن الجنة ليست موضع عمل أو تكليف حتى تكون محلا لإثارة مشكلة الخطأ والصواب ، وأخرى ، بأن المعصية ليست لأمر تكليفي يستتبع الجزاء والعقاب ، بل هي لأمر إرشادي يستتبع الضرر الذاتي الذي يترك تأثيره على حياة الإنسان بعيدا عن مواقع الانحراف الفكري والروحي الذي يضر بالحياة العامة للمجتمع. ويدور حديث آخر حول العصمة ، وهل هي عبارة عن سر مكنون في الذات يولد مع النبي ، فلا يمكن أن ينفصل عنه؟ أو هي عبارة عن حركة المسؤولية المنطلقة في حياته من مواقعها المراعية للإرادة الإلهية التي تمنحها الإيمان وقوة الالتزام والانضباط أمام الاهتزاز في الإرادة تحت ضغط نقاط الضعف؟ ويثير آخرون مسألة نبوة آدم بالمعنى المصطلح لدور النبي ، وما يعنيه من حمل رسالة تتحرك في خط