أعدّه الله ليكون خليفة له فيها ، فيستفيد من تجربة سقوطه وخروجه من الجنة نتيجة لإغواء الشيطان ويعمل على تفادي مكائده في الأرض بعد أن ذاق مرها في الجنة ، خاصة وأنه سيوكل إليه دورا رساليا يجب أن يتسلمه وهو في مواقع القوة لا الضعف. وهكذا أراد الله له أن يعيش الشعور برضا الله عنه ، وهدايته له في ما يريد له أن يتحرك فيه.
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) قالها لإبليس ، كما قالها لآدم وحواء. وقد استحكمت العقدة بينهما ، فهذا إبليس يريد أن يضلل آدم وولده ، وينحرف بهم عن طريق الله ، ويضع بينهم وبين الله الحواجز. وهذا آدم يعمل على أن يحمل الرسالة لأولاده ، ويحمّل أولاده الرسالة من بعده ، ليحاربوا الشيطان ، وليحذروا منه ، وليقعدوا له كل مرصد ، وليفتحوا الحياة كلها على الله ، ليكون الدين كله لله. قالها الله لهم ، ثم بيّن لهم البرنامج العملي الذي يمثل خط الهلاك ، وخط النجاة ، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) لأنه هو السبيل الذي يقود الناس إلى الطريق المستقيم الذي يحقق لهم سعادتهم في ما يأخذون وفي ما يدعون من شؤون الحياة الدنيا ، المستندة إلى البرنامج الرسالي الذي ينظر الله فيه لخلقه في ما يصلحهم وفي ما يفسدهم ، وهو العالم بذلك والخبير به ، فلا يحيط الخلق بما يحيط به المخلوق.
* * *
مصير المعرضين
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذي أنزلته عليه ، فلم يحاول أن يتفهمه ويعيه ويلتزمه كخط للحياة ، ولم يحسب حساب الله في كل صغيرة وكبيرة من عمله ، بل حسب حساب هواه وشيطانه الذي يغويه ويضله ، (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي ضيقة ، لأنه لا يحصل على شيء منها إلا وتطلعت نفسه إلى شيء آخر ، فيشعر