مواقفهم المنحرفة في خط الكفر والضلال حتى لا يحل بهم ما حل بأولئك ..
وتلك هي قيمة العقل عند ما يتحرك ليواجه الأمور بدقّة وموضوعية ، لينتهي إلى النتائج الصحيحة ، من موقع المسؤولية عن الفكر والحياة ، بعيدا عن الانفعال ، أو الانجرار تحت تأثير وضع تقليدي أو نفسي أو اجتماعي ، لأن ذلك هو الذي يحفظ للفكر توازنه ، وللحياة ثباتها وقوّتها واستقامتها في الاتجاه السليم. ولذلك كان التوجيه القرآني يؤكد على قيمة العقل كأساس للمعرفة وللإيمان ، وعلى دور أصحاب العقول ، كنموذج للفئة الواعية المؤمنة التي تحمل مسئولية الحياة من موقع الحسابات العقلية الدقيقة.
* * *
بناء الأمم وفناؤها خاضع للسنن الكونية
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي لو لا كلمة سبقت من ربك لكان الهلاك لزاما على هذه الأمة التي عاندت الرسول وكفرت به ، ووقفت في وجه الدعوة إلى الله ، لأنهم يستحقون ذلك بأكثر مما كان يستحقه السابقون من الكفار ، ولكن الله سبحانه أراد بكلمة القضاء والحسم التي يقدر فيها الأمور أن يؤخر عذابهم ، كرامة للدور الرسولي الذي يتمثل في شخصية النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يرد أن ينزل العذاب على الأمة مع وجوده فيها ، بل أراد للتجربة أن تمتد معه بالأسلوب العقلاني الذي يمنح الناس فرصة بعد فرصة لكي يفكروا ويعتبروا ويستخلصوا النتائج الحاسمة في أمر العقيدة ، لأن الفرق بين مرحلة الإسلام وبين مرحلة الأديان الأخرى ، هو أن الأديان الأخرى السابقة انطلقت لتلبية حاجة مرحلة زمنية محدودة ، بينما انطلق الإسلام ليكون دين الحياة الذي يستمر إلى نهايتها. ولهذا كان العذاب يمثل الصدمة التي قد لا تتناسب مع الطبيعة الهادئة المنسجمة مع دور الإسلام في التعبئة الفكرية