مناقشة الكفار
(هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) إنه تساؤل الكفار المتخلّف الذي يطرح مسألة البشرية كعنصر مضاد لفكرة النبوة في إيحاء يفرض النبوة غيبا لا يليق إلا بالمخلوقات الغيبية المتميزة عن الناس بأشكالها الخاصة ، وطاقاتها المختلفة. وفي ضوء ذلك فإن القضية لا تعدو ، أن تكون من الأسرار الخفية للبشر من خلال ما يتميز به السحرة الذين يتقنون الأساليب الفنية الساحرة والألاعيب العجيبة المثيرة التي تأخذ بألباب الناس ، وتسحر أبصارهم ، وتثير فيهم الأحاسيس والمشاعر الحميمة. إنه السحر الذي يتمثل في الكلمات ، فهل تتركونه يؤثر فيكم من دون اختيار؟!
(أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) الأشياء المحيطة بكم ، على طبيعتها ، في نظرة سليمة لا مجال فيها للإشكال والارتياب ، فكيف لا تواجهونه بالرفض ، لتنقذوا عقولكم من سحره؟
ولكن الرسول الذي يعيش وضوح الرؤية في صفاء الوحي والرسالة ، لا يهتز أمام هذه التصورات والكلمات ، لأنه يعرف العقدة النفسية التي تكمن خلفها ، والزاوية الضيقة التي تتحرك فيها ، بل يبقى ثابتا يتطلع إلى الله ، كمسؤول أمامه ، خاضع له في كل شيء ، فهو يشير إليه ، في حديثه معهم ، ليوحي إليهم بأن كلماتهم لا تهمه ولا تثيره ، ولا تسقط موقفه ، لأنه ليس مسئولا أمامهم ليفكر في غضبهم ورضاهم ، أو في طريقة إيمانهم به ، أو تنكرهم له. ولذلك كان جوابه حاسما ، مؤكدا أنه لا يملك من الأمر شيئا ، فقد بلّغهم رسالة الله ، وانتهى دوره في ذلك.
* * *