القرآن يضع المسألة في نصابها الصحيح
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فهو الذي يقرر إن كنت صادقا في ما أدعيه من رسالته أو كنت كاذبا في ذلك ، وهو الذي يعلم إن كان ما جئت به هو السحر ، أو الحق ؛ (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الذي يسمع كلامي وكلامكم ، ويعلم سرّي وسرّكم في ما أضمر وتضمرون من الخير والشر في ذلك كله. فليست المشكلة ما تقولون ، بل المشكلة ماذا يعلم الله من الحق الذي يمثل حقيقة الموقف كله.
وهذا هو الموقف النبوي الثابت الذي يعبر عن الثقة بالله والنفس من خلال الله ، مما يجعله يتابع طريقه بقوة ، ويمارس دعوته بصلابة ، ليوحي ، في ذلك ، للآخرين بالثقة بالموقف الذي يربط الأشياء كلها بالله ، ويتحدث عنه من موقع حضوره الدائم المهيمن على الأمر كله الذي يحيط بكل شيء علما ، ويحاسب الناس على ما افتروه عليه في الدنيا والآخرة. ولكن القوم يتخبطون في كلماتهم واتهاماتهم ، فهم لا ينطلقون فيها من قاعدة ، بل من حالة معقّدة يريدون أن يخرجوا من خلالها من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه ، أو وضعتهم الرسالة في داخله ، لأنهم لا يملكون حجة منطقية ضده ليبرّروا للآخرين في مجتمعهم هذا الموقف السلبي في مواجهتها. ولهذا كانوا ينتقلون من تهمة إلى أخرى ، فإذا كان السحر هو ما يمثل طابع الرسالة والرسول ، فإن معنى ذلك أن هناك قاعدة لكل الموقف في ظواهره وفي خفاياه ، لأن السحر علم دقيق كبقية العلوم بما يشتمل عليه من أسرار وضوابط وقضايا ؛ ولكنهم يشعرون أن الكلمة لا تعطي مفعولها السلبي في الساحة لأن الناس تعرف السحرة في منطقهم وفي حركاتهم مما لا يمت إلى القرآن ، أو إلى ما يفعله الرسول بصلة. وهكذا انتقلوا إلى كلمة أخرى ، (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) في