العقل هو الذي يمثل عنصر المسؤولية في حياته وهو الذي يساهم في رفع مستوى الواقع من حوله ، ويتجه به الى سعادة المصير في الدنيا والآخرة.
* * *
القرية الظالمة
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) فكسرنا قوتها وأهلكناها ، لأنها ظلمت نفسها بكفرها وضلالها ، وظلمت غيرها بتمردها وعدوانها ، (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) ليستمر الوجود في لون جديد من الإنسان والحركة ، ليجدد الحياة من حوله ، كدليل على أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأن الناس ، مهما بلغوا من القوة ، فإنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، أمام إرادته التي تهلك قوما وتنشئ آخرين.
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) وعذابنا القادم إليهم حاولوا الهرب منه ليجدوا هناك ملجأ يلجأون إليه ، (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) ولكن إلى أين المفر والمهرب ، وكيف يفكرون أن يعثروا على مكان لا يملك الله أمره؟ (لا تَرْكُضُوا) ولا تبتعدوا عن مواقعكم ، (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) من أسباب الترف ، حيث أعطاكم الله من نعمه المثيرة ما لم تشكروه عليها ، ولم تتوازنوا في إدارتها ، ولم تتحملوا مسئوليتكم في تحريكها لمصلحة الناس من حولكم ممن كلفكم الله إعانتهم ورعايتهم بما يحتاجون إليه منها ، فعودوا إلى ذلك ، (وَمَساكِنِكُمْ) التي اتخذتموها مواقع للظلم والاستكبار ، (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) من جديد ، عن هؤلاء الفقراء والمساكين الذين كنتم تطردونهم عند ما يلجأون إليكم ، وتستكبرون عليهم عند ما يعرفون إليكم حوائجهم. إنها العقلية الاستعلائية التي تريد أن تتأله أمام المستضعفين من عباد الله من خلال ما كنتم تعيشونه من أفكار ومشاعر وامتيازات ، ولكن أين هي الآن؟ هل تجدونها إذا بحثتم عنها في كل هذه المواقع التي كنتم فيها؟ هل تحاولون الرجوع إليها؟ ألا تزالون في هذا