الإلهية من القدرة المطلقة. والله العالم.
وهكذا نجد أن الله لم يخلق الحياة في السماء والأرض وما بينهما ، لاعبا ، ولو شاء ذلك لكان قادرا عليه ، كقدرته على كل الأشياء ، ولكنه لم يشأ ذلك ولم يرده لأنه أراد للحياة أن تخضع للحق ، في كل مظاهرها وحركاتها بحيث يقف ـ بقوة ـ ضد الباطل.
* * *
الحق يدفع الباطل
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) إذ يريد الله للحق أن يحتوي الحياة كلها من خلال ما أودعه فيها من أسرارها ، وشرائع أنزلها على رسله ، أو من خلال الفطرة الكامنة في أعماق الوجدان الإنساني ، والعقل المرتكز في كيانه ، فيعطي للحق معناه وفاعليته وقوّته ، ويمنع الباطل أن يفرض نفسه على منطق الحياة والوجود ، لأنه لا يملك عناصر البقاء في ذاته ، بل يعيش القوة كحالة طارئة محكومة للأوضاع الخارجية المحيطة به. وبذلك ، لا بد أن تنتهي حركة الصراع فيما بينهما بأن يسقط الحق الباطل ، فيفجره من الداخل ، بضربة قويّة في نهاية المطاف ، (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أمام الحجة القاطعة القوية التي لا تمنح الواقع الفرصة للخلود ، وأمام تفاصيل الوجود التي لا يمكن للحق معها أن يسمح للباطل بالنفاذ إلى عمق الوجود. وهكذا تكون النتيجة في النهاية لصالح الحق ، كما كانت البداية له أيضا ، مما يجعل مسألة الجدية التي هي المظهر الأعلى للحق في معناه وحركته ، قانونا ثابتا في الكون. وبذلك كانت قضية المعاد ، بما تمثله من الهدف الكبير لحركة الإنسان في الحياة ، ضرورة عقلية وكونيّة ، في ما أرسله الله من رسالات ، وبعث من رسل ، بالرغم من كل الكلمات اللامسؤولة ، والخيالات المنحرفة التي يثيرها الكافرون والضالون ،