العبودية المطلقة لله
.. ويستمر الحديث عن الله في دائرة التوحيد المطلق الذي يطلّ على الوجود كله ، بكل ما فيه من موجودات ومخلوقات ، ليوحي بالعبودية المطلقة الناشئة من الملك المطلق الذي يحتويهم جميعا ، فلا أحد إلّا وهو مخلوق له ، ولا شيء إلّا وهو مملوك له ، وبذلك فلا مجال لأن يتألّه أحد أمام الله ، في ما يدّعيه لنفسه ، أو يدّعيه له الآخرون ، بمجرد أنه يعيش في ذاته الإحساس بالحاجة المطلقة ، والخضوع العميق بطريقة الممارسة العملية ، أو بطبيعة ما يختزنه من شعور.
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هم خاضعون لإرادته لا يملكون من دونه لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، وله أن يتصرف بشؤونهم بما يريد وكيف يريد. (وَمَنْ عِنْدَهُ) الذين يعيشون في مواقع القرب من رضوانه من الملائكة المقربين ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) لأنهم يرون العبودية له أمرا طبيعيا راسخا ، ويرون العبادة التي هي مظهر الاعتراف الحيّ بالعبودية ، لازمة له في معناها ، ولهم في ذاتهم ، فهم خاشعون له منسحقون أمام عظمته ، (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أي لا يعتريهم إعياء ولا كلال مهما امتد بهم الزمن ، أو كبر حجم العبادة ، أو كثر عددها ، لأنّ وعيهم الوجداني والروحي لعلاقتهم بالله يجدّد نشاطهم ، ويقوّي روحانياتهم ، ويبعث فيهم روح التجدّد.
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) في شعور مستمر بالعظمة المطلقة التي تدفع بهم إلى الإعلان الدائم ، والذكر المستمر المتحرّك ، (لا يَفْتُرُونَ) أي لا ينقطعون عنه أبدا. (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) ويحيون الموتى ، وكيف يساوون بين المخلوقين والخالقين؟ وهل هذا إلّا وهم بائس مريض ، صادر عن عقلية متخلّفة لا تملك الفهم الواعي لقضايا العقيدة والشريعة؟ فإذا كان هؤلاء