والتدبير ، فيبتعدون بذلك عن موقع جلاله ومجالات عظمته ، فتعالى الله (عَمَّا يَصِفُونَ) مما يتصل بصفات المخلوقين التي ينسبونها إلى الخالق القادر القاهر الجبّار الذي (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنه هو الذي يملك الهيمنة على الكون كله بجميع مخلوقاته ، فمن هو الذي يسأله عن أمره وفعله ، أو يعترض عليه في تدبيره ، ومن هو الذي يحيط بالأشياء ، كما يحيط الله بها ، ومن هو الذي يعرف أسرارها ، في ما يجب أن يحدث أو ما ينبغي ألّا يحدث ، أمام الله ، وهو الحكيم المطلق الكلي الحكمة الذي لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء ، فهو الحق في ذاته وهو الحق في خلقه وتدبيره وفعله.
إنها الكلمة التي تعبّر في أسلوب كنائيّ تعبيريّ عن السلطة المطلقة ، والإشراف المطلق ، لأن من خصوصيات ذلك ألّا يكون مسئولا أمام أحد في كل شيء ، فليس لأحد أن يقول له لم وكيف ، فله أن يفعل ما يشاء ، ويترك ما يشاء كيف يشاء من دون حسيب ولا رقيب. أما الآخرون كل الآخرين ، مهما بلغوا من الحجم في القوّة والكثرة والنوعية ، فهم مخلوقون له ، خاضعون لقوّته وإرادته ، فلا يملكون أن يفعلوا شيئا إلّا برضاه ، ولا تتحرك إرادتهم إلّا من خلال إرادته. ولذلك فإنهم مسئولون أمامه عن كل شيء ، فعليهم أن يقدّموا تفسيرا عن كل كلمة ، وعن كل عمل ، وأن يطلبوا الإذن في ذلك كله ، فيأخذوا الرخصة منه ، وذلك هو الفرق بين الخالق والمخلوق ، وبين الإله والمألوه ، والسيد القادر القاهر ، والعبد الضعيف المقهور الذي لا يقدر على شيء فكيف يمكن أن يكون غيره إلها معه من دون أن يكون له أيّة صفة من صفات الإله.
* * *
وحدانية الله
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) صنعوها بأيديهم ، أو منحوها الهالة القدسية بأوهامهم ، وكيف فعلوا ذلك؟ وما الأساس الذي اعتمدوا عليه؟ (قُلْ هاتُوا