وبينه ، تماما كما هو التقارب بين الأب وأولاده في الملامح والصفات.
وهكذا نجد أن فكرة الولد لله ، التي تمثلت في عقيدة بعض النصارى وبعض اليهود ، وبعض العرب ، كانت ناشئة من القدرات الخارقة التي يدعونها لهؤلاء ، إذ إنهم يرون أنه لا يمكن أن يكون إلّا عن نسبة إلهية عضوية ، نظرا إلى أن أصحاب هذه العقيدة لا يتعقلون امكانية إعطاء الله لهؤلاء بعضا من القدرة التي قد يصنعون بها ما يقومون به من معجزات ، أو ما يعيشونه من أوضاع مميزة. وفي ضوء ذلك نعرف أن التخلّف في فهم الأمور هو المسؤول عن انحراف العقيدة ، وأن الاستغراق في تضخيم الأشخاص من خلال ما يوحيه من تصورات ، ويثيره من انفعالات هو الأساس في عبادة الشخصية ولو بطريقة غير مباشرة ، مما يفرض على العاملين الحذر في إثارة الحديث عن صفات العظماء في تقييم شخصيتهم ، وذلك باعتماد النظرة الموضوعية الهادئة ، بعيدا عن النظرة الانفعالية الحادة.
* * *
بل عباد مكرمون
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ) فإن عظمته في مقام ألوهيته ، تتنزّه عن ذلك ، لأن الولد يعني الحاجة ، ويعني المحدودية ، والجسمية ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وإن هؤلاء الذين يدّعون لهم مثل هذه الصفة ، لا يوافقون على ذلك في ما يعرفونه من أنفسهم وقدراتهم التي مهما كبرت وعظمت فإنها لا تخرج عن كونها من خلق الله ، كما أنهم مخلوقون له ، كجزء من مخلوقاته ، فليسوا أولادا له ، (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أكرمهم الله بتقريبهم إليه ، فمنحهم الدرجة العليا ، وأعطاهم الموقع الحسن ، ومنحهم الميزة على بقية المخلوقين ، انطلاقا من حكمته التي تحدد مواقع المخلوقين في الكون ، كما تخطط لحركة الأشياء فيه ، وانسجاما مع روحيتهم العميقة في خضوعهم لله