فيتعهدهم إلى مواقع الهدى والرشاد ، وبذلك لم يكن خلقه قاسيا عصيّا ، بل كان رؤفا رحيما لينافي ما يصادفه من قضايا الناس وآلامهم ، وتلك هي روحية السلام الذي يمثل الأمن الروحي في حياته الفردية وفي حياته الاجتماعية ، في الدنيا والآخرة.
(وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) فأراده الله أن يكون محلا لكرامته ، وموضعا لرحمته ، (وَيَوْمَ يَمُوتُ) حيث ينتقل إلى رحاب الله وفي روحه كل مشاعر السلام للناس وللحياة ، (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) حيث يعيش هناك السلام المنفتح على الله ، فيقوده ذلك إلى رحاب الجنة التي هي دار السلام.
* * *
ماذا نستوحي من القصة؟
وقد نستوحي من قصة زكريا ويحيى أن الإنسان المؤمن لا يسقط في مشاعر اليأس الخانقة عند ما تحاصره الموانع الطبيعية التي قد توحي إليه باستحالة ما يطلبه واقعيا ، بل يبقى في أجواء الأمل الروحية التي تنفتح على قدرة الله ورحمته ، وذلك من خلال عالم الغيب الذي يطل على الآفاق غير العادية من حياة الناس في ألطاف الله الواسعة ، عند ما يرزقه من حيث لا يحتسب ، ويحرسه من حيث لا يحترس ، ويحقق له الكثير من أحلامه من حيث لا ينتظر ... وهكذا انطلق زكريا بالدعاء في الدائرة المستحيلة من ناحية واقعية على أساس الإيمان بالله الرحيم بعباده القادر على كل شيء ، بكل عفوية وبساطة وانفتاح ، حتى إذا استجاب الله له ما أراد ، استيقظ فيه حسه المادي الذي يربط الأمور بأسبابها المعتادة ، فيستغرب خروجها عن المألوف. ولكن الله يرجعه إلى وجدانه الروحي ، ويؤكد له ذلك بآيته المعجزة ، فيلتقي الانفتاح الروحي والإيمان بكل قوة.