مريم عليهاالسلام ولقاء الرّوح
(قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) فهو الذي يجيرني منك إذا اجتاح مشاعرك خاطر الشيطان في غريزتك ، وهو الذي يمنحك قوة الالتزام بالتقوى كي لا تنجرف أمام نداء الشهوة في جسدك ، إن كنت ممن يعيشون التقوى فكرا وروحا ومسئولية حياة أمام الله.
وانتظرت ردة الفعل منه ، هل يستجيب لها ، في ما يلهمه الله من تقوى وهداية ، وفي ما يمنحها الله ، من خلاله ، من عطف ورعاية؟ وجاءت المفاجأة الثانية ، بشكل أعنف ، ولكن بطريقة أخرى. (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) وفزعت فزعا شديدا ، يوحي بالرعب ، وينذر بالهول ... أهو جادّ هذا الرجل؟ هل يقول الصدق أم يكذب؟ كيف يقول إنه رسول ربها؟ ومن هي في الناس حتى يرسل الله لها رسولا؟! إن ذلك من شأن الأنبياء ، وهي ليست بذلك الموقع ، هل هي حيلة لخداعها للتغرير بها لتتقبل الموقف في شعور بالقداسة؟ ثم ماذا يقول؟ إنه يعبر عن مهمته بأنه يريد أن يهب لي غلاما زكيّا. وكيف يحدث ذلك للفتاة العذراء دون أن تكون على علاقة بأيّ رجل ، وهي العذراء الطاهرة التي لم يحدث معها ذلك ولن تسمح له بأن يحدث؟!
وهتفت بكل ذعر : (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فلم أتزوج من قبل لأنجب غلاما من علاقتي الزوجية ، كبقية النساء المتزوجات ، (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) كالنساء المنحرفات اللاتي يتصلن بالرجال خارج نطاق العلاقة الشرعية. ولكنه قطع لها حدوث ذلك ، وأوحى إليها بأنه أمر يتجاوز المألوف ، وسرٌّ لا يحيط به الناس ، فليس الغلام الذي ستنجبه وليدا يولد على طريقة التوالد الطبيعي ، بل هو معجزة إلهية أكرمها الله بها فجعلها موضعا لها ، ولا بد أن تنظر إليها من هذا الجانب ، بوصفها تجليا للقدرة الإلهية التي تتجاوز الأسباب