معه مشكلتها ليساعدها في الحل ، فأطلقت صرخة الإنسان الضعيف المسحوق الذي شعر في لحظة كما لو أن الحياة كانت عبئا ثقيلا عليه ، لأنها تحشره في زاوية ضيقة من التجربة الصعبة التي لا يستطيع الخروج منها ، أو السيطرة عليها. وكانت تواجه نتيجة هذا الموقف وضعا اجتماعيا بالغ الصعوبة يهدد سمعتها وكرامتها وموقعها ؛ وهكذا (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) حتى لا أواجه نظرات الاتهام القاسية.
وكانت المفاجأة الأولى التي شكلت انطلاقة هذا الوليد العجائبية ، إن مريم سمعت كلاما لا بكاء ، وتلفتت يمينا وشمالا فلم تر أحدا هنا أو هناك ، وإذا بالصوت يأتي من الأسفل ، حيث فراش الوليد ، إنه يتكلم ليفتح لها باب الرضا والطمأنينة ، وليسبغ عليها سكينة الروح ، وهدوء المشاعر.
* * *
عيسى عليهالسلام يكلم مريم عليهاالسلام
(فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي) من تهاويل المستقبل ومن نظرات الناس وكلامهم ، فإن الله الذي أعدك لمثل هذه الكرامة القدسية ، لن يتركك وحدك لتواجهي صعوبات الموقف ، إذ هو يدافع عن عباده المخلصين المتقين في ما يملكون أمره ، فكيف لا يرعاهم في ما لا يملكون شيئا منه ، وها أنت ترين أن الله قد أعد لك كل أسباب الحماية والرعاية ، فتطلعي الى ما أنت فيه ، ف (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) والظاهر أن المراد به جدول الماء الذي يترقرق إلى جانبها فتستطيع أن تشرب منه دون أن تحتاج إلى بذل جهد لا تستطيعه في وضعها الخاص. وتلك كرامة بارزة لها ، إذ لم يسبق لها أن شاهدته من قبل ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) في غير وقته ، أو أنها كانت يابسة فاخضرّت وأورقت وأثمرت رطبا جنيّا لساعتها ، وهذه كرامة ثانية ، (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) بهذا اللطف الإلهي العظيم ، واستقبلي الحياة بروح مطمئنة