مواجهة مريم عليهاالسلام لقومها
وجاءت إلى أهلها ، لتواجه التجربة القاسية المريرة ، ولتكسر الحاجز النفسي الذي يحول بينها وبين العودة إلى المجتمع ، ولكن من مركز القوّة التي أمدّها الله بها ، في ما يبرّئ ساحتها ، ويظهر طبيعة المسألة ، ويحلّ الإشكال العالق بالأذهان.
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) وكانت المفاجأة الكبرى لديهم ، وبدأ التساؤل لمن هذا الولد الذي تحمله العذراء؟ هل من المعقول أن يكون ولدها ، وهي العفيفة الطاهرة التي عاشت حياتها في المحراب ، في عبادة خالصة لربها؟! كيف حدث هذا؟ وانقطع الشك باليقين ، وبدأ الهجوم.
(قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) عظيما لما توحي به ولادة هذا الصبي من حدث خطير بمستوى المعصية الكبيرة ، وهو أمر لا يصدق لو لا أن الواقع يؤكّده بقوة ، (يا أُخْتَ هارُونَ) الذي تتصل معه بالنسب ، أو تشبهه بالصلاح ، ما ذا دهاك؟ (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) بل كانا عفيفين صالحين طاهرين ، فمن أين أخذت هذا السلوك السيّئ؟ (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) بكل هدوء ووداعة وقوة ، ليكلموه ، وليسألوه ، لأنها لا تملك أن تتحدث إليهم ، وفاء بنذرها صوم الصمت. وخيل إليهم أنها تهذي ، أو أنها تسخر بهم ، (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) فهل ينطق مثله لينطق هو بالجواب ، وما قدر ما يحسن إذا كان يستطيع النطق؟ ولكن انتظارهم لم يطل ، وجاءتهم المفاجأة من حيث لا ينتظرون ، في ما يشبه الصاعقة .. فقد بدأ الطفل الرضيع توضيح الموقف بكلام واضح صريح.
* * *