عيسى عليهالسلام يدفع التهمة عن أمه
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) وهكذا أخذ يتحدث إليهم عن صفته المستقبلية ، في ما يريد الله له أن يمارسه من دور ، أو يقوم به من مسئولية ، فهو ، مهما أحاط خلقه وقدراته من أسرار ، لا يبتعد عن كونه عبدا لله ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا به ، ولا يتحرك في أيّ وضع غير عادي إلا بإذنه ، فلا مجال للغلو والارتفاع به فوق مستوى البشرية ، عند النظر إليه في المستقبل. وهو من موقع عبوديته لله ، يتحرك في خط النبوة التي أكرمه الله بها ، ويحمل الإنجيل وهو الكتاب الذي يتضمن رسالة الله ووحيه ، تلك هي صفة عيسى عليهالسلام الواقعية ، التي يعيش فيها بشرية الإنسان ، ورسالية النبي ، وحركة الوحي في الدعوة. (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) البركة هي نماء الخير في حياة الناس في ما ينفع البلاد والعباد ، وعيسى عليهالسلام كان مباركا ، لما يقدمه للناس من علم نافع يرفع مستواهم ، وعمل صالح يغني وجودهم ، وينمّي حركتهم ، ويحقق لهم مواقع القوة ويحيطها بدائرة أخلاقية تحميها من الانحراف ، وتحمي الآخرين من عدوانها.
(وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) وفي ذلك إشارة إلى عمق هذين العنوانين البارزين في شريعة عيسى عليهالسلام : الصلاة فيما تؤمنه من سمو الروح عبر ارتفاعها إلى آفاق الله ، والزكاة بما تفرضه من احتواء للحرمان الإنساني بالدعم والمساعدة قربة إلى الله. حيث يصبح السمو في آفاق الله مقدمة للانطلاق إلى الواقع من الموقع نفسه. وهكذا يلتقي الجانب السماوي بالجانب الروحي في مضمون كل الرسالات.
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي) بما يمثله البرّ من رأفة ورحمة ورعاية لهذه الإنسانة التي تحوي أمومتها كل معاني الخير والعطاء ، مما يجعل البر هنا اعترافا بالجميل