اختلاف الأحزاب في عيسى عليهالسلام
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) في قصة ولادته ، وفي طبيعته البشرية ، وفي رسالته ، من موقع الإيضاح الذي يمنع الشك والريب ، ويدفع إلى الإيمان من أقرب طريق ، (قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي أقول قول الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، بالرغم مما يتنازعون فيه من الكلمات غير المسؤولة ، ومن الآراء التي لا ترتكز على حجة ، ولا تستند إلى علم ، بل هو التكلّف ، والتأويل ، والبعد عن الحق ، وذلك في ما ابتدعوه من فكرة نسبة الولد إلى الله ، بقولهم عن عيسى إنه ابن الله .. ولكن ذلك لا يرجع إلى أساس ، ولا يركن إلى حقيقة ، (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) لأن إنجاب الولد ينطلق من موقع الحاجة ، وهو أمر لا يتناسب مع غنى الله المطلق عن كل شيء ، فأيّة حاجة به إلى الولد ، وهو الذي لا يختلف مراده من إرادته ، (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مما يجعل لبنوّته لله فرضية لا معنى لها في حساب الفكر ، ولا موقع لها في حركة الواقع.
وقد واجه عيسى هذه الفكرة مواجهة كاملة واضحة ، وذلك بدعوة الناس إلى عبادة الله وحده ، باعتبار أنه ربه وربهم ، مما يؤكد معنى العبودية لله في شخصه بالذات ، وفي الناس الآخرين ، مما يلغي أيّ نقاش حول ربوبيته ، أو وجود بعض الأسرار الألوهية في شخصيته ، بل هو عبد الله ، كما أن الآخرين عبيد له.
(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) واخضعوا له ، ونفذوا أوامره ، وابتعدوا عن نواهيه ، في كل جوانب الحياة ، من أجل الحق والعدل والسلام ؛ (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لأنه يصل النهاية بالبداية في خط مستقيم ، في ما يوحد العلاقة بإله واحد ، ويحدد للإنسان الحرية أمام الكون كله ، وأمام الناس كلهم ، ويشرع له ما يصلح أمره ، ويبعده عما يفسد حياته ، ويدفعه إلى التوازن في كل الأمور ،