إبراهيم عليهالسلام يباشر الدعوة إلى الله
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) قد يكون من الضروري للنبي ، أو للداعية بشكل عام ، أن يستحضر في وعيه ملامح الشخصيات الرسالية التي تمثل النموذج الأكمل لحركة الإنسان الرسالي في الدعوة ، ليدرس أساليبها ، ويستلهم روحيتها ، وينتفع بتجربتها .. ومن أبرز هؤلاء إبراهيم ـ النبي ـ وهو النبي الصديق الذي كانت حياته صدقا كلها ، مع نفسه ومع ربه ومع الناس من حوله ، فلم يجامل أحدا في الحق ، ولم يهادن قريبا أو بعيدا في مستلزمات الرسالة ، ولم يترك في حياته فراغا لغيرها ، بل كانت الرسالة كل فكره ، وهمه ، وكل حياته .. فقد كانت تجربته غنية بالتنوع الذي يحكم جوانبها ، كما كانت روحيته ، في علاقته بالله وفي إخلاصه للرسالة ، في المستوى الأعلى من روحية الأنبياء والصديقين ، وقد يكون من بين تجاربه الرائعة التي تعكس عمقه الروحي تجربته مع أبيه.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) فقد رأى أباه يعبد الأصنام التي يعبدها قومه ، وهو بذلك خاضع كغيره لعادة السير على خطي الآباء والأجداد وتقليدهم في السلوك. والسبب غياب الوعي الفكري ، الذي يكفل عدم صدور أي عمل عن الإنسان إلا بعد دراسة طبيعته وخلفياته ونتائجه ، ومدى انسجامه مع الجانب الخيّر من الحياة مع موقع الحق في الفكر. وتبقي للعادة حرمتها وقداستها ويعمل الجميع على تبريرها بأن يفرضوا لها أسرارا عميقة غامضة في قدراتها الذاتية في الخير والشر.
وهكذا أراد إبراهيم أن يثير التساؤل في تفكير أبيه ، وذلك بأن يطرح عليه الجانب اللامعقول في هذه العبادة بطريقة بسيطة لا تكلّف الإنسان بذل أيّ جهد