عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فنأخذ الأكثر تمردا وعصيانا لله ، ليتميز الأكثر مسئولية في عالم الكفر والضلال من الأضعف في ذلك. وربما كان ذكر الله بصفة «الرحمن» للإشارة إلى خطورة تمردهم وبشاعته ، لأنهم قابلوا رحمة الله الذي أفاض عليهم من رحمته كل خير وأبعد عنهم كل شر ، بالكفر والعصيان ، مما يجعل الجريمة مضاعفة في مدلولاتها الإنسانية. (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي مقاساة ومعاناة لحرّها ، لأننا نعلم خفايا أعمالهم ، وطبيعة إيمانهم مما يجعل موقع كل واحد منهم في ما يستحقه من العذاب ، أو في درجاته ، معروفا لدينا من دون شكّ ولا شبهة.
* * *
هل الناس جميعا سيردون النار؟
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) الظاهر من الحصر في هذه الآية ، أن الناس جميعا ، سيردون النار ، ولكن اختلف المفسرون في معنى الورود ، هل هو الدخول ، أو هو المرور ، أو هو الحضور والإشراف عليها؟ وقد حاول كل فريق أن يؤيد كلامه ببعض الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه الكلمة ، أو ببعض الروايات التي اختلفت في مفادها. وقد اعتبر البعض أنه لا وجه لدخول الطائعين النار ، ولذلك حاول أن يوجه المسألة تجاه كونها بردا وسلاما على المؤمنين ، وتطهيرا للعصاة من ذنوبهم.
ولكن من الممكن أن يكون دخول النار غير ملازم للدخول في العذاب ، لأن النار لا تشمل كل مواقع العذاب ، ولهذا نجد أن خزنة النار موجودون فيها ، ولكنهم لا يصلون نارها ، ولا يذوقون عذابها. أما السبب في دخولهم إليها ، أو حضورهم فيها فقد يجلوه ما ذكره صاحب مجمع البيان حيث قال : «وقيل إن الفائدة في ذلك ما روى في بعض الأخبار أن الله تعالى لا يدخل أحدا