سبب التسمية
لقد أريد لاسم مريم بنت عمران أن يكون عنوانا لهذه السورة ، لأن الله تحدث فيها عن قصة ولادتها لعيسى عليهالسلام بما يتمثل فيها من أجواء روحية ، وما يحيط بها من أوضاع غيبيّة ، وما يهيمن عليها من إعجاز ، مما يجعل قصته تتصل بأكثر من بعد من أبعاد العقيدة ، في عالم الغيب والشهود.
وربما كانت هناك غاية أخرى من تسمية السورة باسمها ، وهي التذكير بهذه المرأة الطاهرة التي عاشت الإيمان في طفولتها وشبابها ، في ابتهال خاشع مع الله ، في محرابها الذي كان موقعا من مواقع الفيض الإلهي بالرحمة ، واللطف ، والعطاء الروحي الذي كان ينهمر عليها من كل جانب. ولهذا فإنها كانت تعيش هذا اللطف الإلهي بعمق في الروح ، وامتداد في الفكر ، فلا نستغرب حصول أي شيء معجز في حياتها ، خلافا للّاتي يعشن الإيمان بطريقة تقليدية محدودة ، ونظرة ذاتية مغلقة.
هذا بالإضافة إلى أن ذلك كله يجعلها الإنسانة الوحيدة في عصرها التي يمكن أن تكون موضعا لكرامة الله ، وإظهار قدرته ، في خلق هذه الظاهرة الإنسانية الجديدة وهي ولادة عيسى (ع) من دون أب. فإن تاريخ مريم الناصع الذي يتفايض بالطهر والعفاف يجعل إمكانية اتهامها بالزنى أمرا بعيدا جدا ويقرب فكرة الإعجاز الغيبي بطريقة لا تقبل تأكيد الشك بها ، وإن كانت لا تمنع من إثارته ، والله العالم.
* * *