(إِذْ رَأى ناراً) من بعيد ، وكانوا بحاجة إليها للاصطلاء بها وتحصيل الدفء في تلك الليلة الباردة ، (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) لأذهب إليها (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) للدفء ، (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) للسؤال عندها عن الطريق فقد يكون هناك أناس متواجدون عندها. وذهب موسى إلى هناك ، وكانت المفاجأة. (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى) وكان الصوت يأتيه بطريقة غير عادية ، فليس هناك شخص يتحدث أمامه ، ولكن الصوت مسلط عليه من كل مكان حتى ليهتز كيانه معه ليتساءل بعمق وحيرة .. من هو؟ ومن أين ، وكيف؟ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وكانت الدهشة التي توحي بالرهبة ، وتؤذن بالخطورة ... إنه صوت الله .. إن الله يكلمه من دون وسيط .. إنه الصوت الإلهي الذي ينفذ إلى كل روحه وقلبه وضميره .. إنها الإشراقة الروحية التي تفيض عليه فيسبح في بحار النور المائج بالرحمة واللطف والرضوان .. وأصغى بكل كيانه في انتظار ما هناك ، ماذا يريد الله منه ..؟ وعقدت المفاجأة لسانه ...
* * *
حوار الوادي المقدس
(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) إن لهذا الوادي قدسيته ، فلا بد لك أن تحترمه ، في مظهر تقديس يحترم الحضور الإلهي من خلال الصوت الذي كلم موسى وأحاط به من كل مكان قائلا له : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) فلا يكن عندك موقع للشك ... وتفرض الحقيقة نفسها عليه فيطمئن ويهدأ ويتابع الاستماع بلهفة وشوق : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) لتكون رسولا من قبلي إلى فرعون لتقوده إلى الإيمان ولتردعه عن الطغيان ، وإلى هذا الشعب الذي عاش العبودية في عمق ذاته حتى أصبحت جزءا من كيانه ، بما يقدمه من فروض الطاعة لمستعبديه دون إحساس بضرورة الثورة أمام المستعبدين لنيل الحرية التي