الحج عبادة منفتحة على الله
لم يكن المسجد الحرام مسجدا عاديا في طبيعته وخصوصيته ، ولم يأت بناؤه تلبية لرغبة ذاتية في بناء مسجد للعبادة كما هي حال المؤمنين عادة ، بل جاء نتيجة أمر من الله ، فقد أوحى لنبيّه إبراهيم عليهالسلام أن يبني هذا المسجد ليكون بيتا له ـ تعالى ـ على مستوى العالم كله ، ليفد إليه الناس من كل بقاع الأرض تلبية لدعوته الشاملة ، من أجل تحقيق المنافع الدنيوية والأخروية ، المادية والمعنوية .. ولينطلق الناس من خلاله ، ومن خلال الأعمال المتنوعة التي شرعها لهم في رحابه وأجوائه ، ليخلصوا له العبادة من موقع التوحيد ، ولينفتحوا على عمق التوحيد في صفائه ونقائه ، في ما تعيشه أفكارهم ، وتختزنه مشاعرهم ، وتتحرك فيه أوضاعهم ، في أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم ومواقفهم ، من خطّ يبدأ من الله وينتهي إليه ، فلا يمرّ الناس إلا من خلاله ، ولا يلتقي بخصوصيات الحياة إلا في دائرة رضاه.
وهكذا كان الحجّ هو العبادة المنفتحة على أكثر من أفق للعقيدة ، والمرتكزة على أكثر من قاعدة للحركة ، والقريبة إلى الجانب العملي في الحياة ، في ما يلتقي به الإنسان مع الله في أكثر من موقع ، وهذا ما نحاول استيحاءه من خلال الآيات التالية.
* * *
يا إبراهيم ، طهّر بيتي
(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) فحدّد الله له موقعا وأراده أن يجعله