مرجعا يقصده الناس في رحلتهم إليه ـ تعالى ـ للعبادة ، وأن يعدّه إعدادا كاملا لتحقيق النتائج الروحية التي يريدها الله من حركة العبادة في ساحاته ، وأوحى إليه أن يؤكد على صفة التوحيد فيه ؛ من حيث الشكل ، بإعطائه صورة بعيدة عن عبادة الأوثان التي توجد في أماكن العبادة عادة ويتعبد لها الناس لتقرّبهم إلى الله زلفى ، ومن حيث المضمون ، في ما يثيره معنى التوحيد من أفكار ومشاعر وآفاق روحية في عمق الذات ، وفي امتداد الحركة ، ومن حيث شخصية الإنسان الذي يبني المسجد ويرعاه في ما يستهدفه منه ، وفي ما يركّزه عليه من أسس البناء ، ولهذا جاء النداء الإلهي لإبراهيم عليهالسلام ، ليختصر ذلك كله في قوله : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) بما يعنيه ذلك من إقامة قواعد المسجد كلها على أساس التوحيد ، الذي هو سر وجوده ، وهدف العبادة فيه التي تجمع الحياة والإنسان لتقودهما إلى وعي العبودية الخالصة لله ، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) طهارة كاملة بمعناها المادي الذي يستدعي النظافة من كل قذارة تسيء إلى جوّ التحليق في آفاق الطهارة الروحية التي تختزنها روحية العبادة وتخلقها داخل الإنسان ، فإن الإسلام ـ في كثير من تشريعاته ـ يبتعد عن التجريد ، ويعمل على إطلاق المعاني الروحية من حركة الأشياء المحيطة بحياة الإنسان عادة ، ولذا ، فإن الله شرّع الطهارة من الحدث والخبث ، اللذين يمثلان القذارة المادية والمعنوية ، كشرط لصحة الصلاة والطواف على سبيل الإلزام ، واستحبّها لكثير من الأمور العبادية الأخرى ، على سبيل الرخصة ..
وهكذا أراد المسجد طاهرا في أرضه ، كما أراد الإنسان فيه طاهرا في جسده وثيابه ، لتعيش الطهارة الروحية في أجواء الطهارة المادية ، ليتكامل المضمون الداخلي والشكل الخارجي (لِلطَّائِفِينَ) الذين يقصدون البيت للطواف حوله ، بصفته الرمز المادي للتحرك في فلك رضى الله عبر احترام أوامره ونواهيه ، في كل المجالات التي يطوف بها الإنسان في حياته ، وعلى مستوى كل العلاقات التي يقيمها مع الناس من حوله ، سواء من يتصل بهم