سائرين على أقدامهم ، (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) أي بعير مهزول من شدّة التعب والجهد ، (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي طريق بعيد ، لما توحيه كلمة العمق من امتداد ضارب في المجهول ، (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) في ما يحصلون عليه من خلال الحج من منافع دنيوية يحققها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في المشاكل التي يعيشونها فكرا وواقعا ، عبر ما يثيرونه من قضايا وما يحددونه من أهداف وما ينتظرونه من حلول.
وبذلك تسقط الحواجز المادية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس ، ليلتقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله ، والسير على منهجه ، والالتزام بدينه ، والجهاد في سبيله ، طلبا لرضاه ، مما يوفر لهم الخروج من الدوائر الضيقة التي يحبسون حياتهم فيها ، لينطلقوا إلى الدائرة الواسعة التي تحتويهم جميعا ، مما ينقذهم من مشاكل التجزئة في حل القضايا العامة التي قد يستغرقون معها في خصوصياتهم ، فيسيئون بذلك إلى تلك القضايا من حيث يريدون أو لا يريدون ، لابتعادهم عن الأسس التي ترتكز عليها القضايا الإسلامية لجهة علاقتها ببعضها البعض ، وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرك فيه الإسلام في الحياة.
وهكذا تتواصل المنافع الدنيوية في رحاب الحج ، لتصل إلى مستوى توحيد الموقف السياسي ، والتصور الفكري ، وتحقيق التكامل الاقتصادي ، والمواجهة الموحدة للقوى الطاغية وغيرها. وهذا ما يمكن الوصول إليه في هذا المؤتمر العالمي السنوي الذي يتشكل بطريقة عفوية ، امتثالا لأمر الله في العبادة ، ليمتد إلى امتثال أمره في حركة الإنسان في الواقع ..
أما المنافع الروحية التي تتداخل ـ في أكثر من موقع ـ مع المنافع المادية ، فتأتي من التشريعات الإسلامية المتصلة بواجبات الحج المتنوعة التي تحقق لكل جانب من جوانب شخصية الإنسان ، حركة روحية تغذي فيه علاقته