يجعلنا نلاحظ أن هذا التشريع يمثل أسلوبا تربويا يوحي للإنسان بأن كل حركة في حياته لا بد أن تأخذ شرعيتها من إذن الله بها ورعايته ، مهما كانت صغيرة أو كبيرة ، لتكون مسيرته كلها من خلال الله ، بحيث تنطلق البداية منه ، وتصل النهاية إليه ، في رحلة العمر التي تستمد كل قوتها الحركية من قوّته ورحمته ، خلافا للذين يعبدون الأوثان ، ويتقربون إليها بقرابينهم ، ويذكرون اسمها عليها ، فيشركون بالله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ، نتيجة التخلف الفكري والروحي الذي لا يرتكز على قاعدة معقولة من علم وفكر ..
* * *
الانتفاع بذبائح الحجّ
(فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) وهي رخصة شرعية بأكلها تدفع احتمال التحريم الذي قد يتوهمه البعض ، على أساس أن القربان لا بد من أن تأكله النار ، ولا يجوز للإنسان أن يأكل منه ، لأنه لله ، وما يكون لله لا يجوز أن يأكله الإنسان. ولكن الله أراد أن يبيّن أن القربان يمثل معنى داخل الإنسان عند تقديم الأضحية باسمه .. وتنتهي المسألة عند هذا الحد ، وبعد ذلك تأتي قضية الانتفاع بالأضحية حتى لا تذهب طعمة للنار ، أو للتراب ، فللإنسان أن يأكل منها ، هدية من الله له ، وأن يعطي الفقراء القسم الآخر (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) لتكون جزءا من التشريع المتكامل الذي يفتح للفقير الأبواب التي تسد فاقته ، وتقضي حاجته ، وتسكت جوعه ..
ومن خلال ما تقدمه الآية ، نستوحي ما ينبغي للمسلمين فعله بالذبائح التي يمتثلون بذبحها واجب تقديم الأضحية يوم النحر ، فلا يلقونها في التراب دون فائدة ، مما يعطي للآخرين انطباعا سلبيا عن التشريع الإسلامي الذي قد يتحول ، من خلال ممارسة كهذه ، إلى عمل عبثي ، تدفن معه ثروة حيوانية