إلى موقف شهادة زور ، ويبدل صورة الحقيقة في حركة الواقع إذا تمثل في كلمة كذب في حياة الناس ، ويثير المشاعر القلقة الهائجة في مواقع الغريزة إذا انطلق في أجواء الفحش والانحلال ..
إنها الدعوة إلى الابتعاد عن كلمة الباطل باعتبار أنها ضد كلمة الحق التي جاءت الرسالات من أجل تأكيد الدعوة للاقتراب منها ، أو الالتزام بها ، والالتصاق بمعانيها والانفعال بإيحاءاتها ومشاعرها ، في الجوّ والحركة والموقف.
لتكونوا (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) مستقيمين في الحق ومائلين عن الباطل ، وذلك بالالتزام بالتوحيد الخالص الذي يرفض الشرك من موقع صفاء التصور والفكر والشعور ، وحركة الحق في داخل الذات ..
فقد اتّخذ الإسلام موقف التوحيد في مواجهة الشرك ، وموقف حق في مواجهة الباطل ، وكان هدف كل عباداته ومعاملاته ، ومفاهيمه وقوام طريقته في إدارة العلاقات وأسلوبه في الحركة ومنهجه في الحياة ، الوصول إلى هذين الأمرين ، باعتبار أنهما يمثلان الخط العريض لحركة الإسلام في الفكر والتصور والعمل ، وهذا ما جعل الآية تؤكد على اجتناب الرجس من الأوثان وقول الزور ، في سياق الحديث عن العبادة في الحج ، لأن الحج موقف لتأكيد التوحيد في العقيدة والعبادة وكلمة لترسيخ الحق في أعماق الذات.
وقد وردت عدة أحاديث تؤكد على تفسير الزور بالغناء ، ورأى فيها الفقهاء دليلا على حرمة الغناء ، وربما جاء ذلك نتيجة المضمون الداخلي لكلمات الغناء التي كان الباطل يغلب عليها ، مما يجعل تحريم الغناء مختصّا بالمضمون الكاذب ، أو الباطل فيه .. وربما كان ذلك نتيجة طبيعة اللحن الذي ينأى بالمشاعر عن الحق أو يثير الأحاسيس الغريزية والشهوات الجامحة التي تبتعد به عن طريق الهدى والحق ..