وقد تحتاج دراسة مثل هذه الأحاديث الواردة في التفسير لمعرفة ما إذا كانت تتناول الكلمة في معناها الشامل ، أو بعض مواردها الخاصة ، لأن ذلك يؤثر على المواقف الفقهية المتخذة على مستوى القضايا العملية.
* * *
الشريك قمة السقوط
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) لأن التوحيد يمثل السموّ الفكري الذي يجعل الإنسان يتصل بسماوات الروح ، ويلتقي بالله الواحد الذي لا إله غيره ، ويشعر بأنه مهما تحرك ، وإلى أيّ مكان انطلق ، وفي أيّ موقع وقف ، وفي أيّ أفق عاش ، فسيلتقي بالله في حركة الفكر والشعور والروح والحياة ، حتى أن الأرض لا تتجمد في المادّة ، بل تتحول إلى حالة روحيّة تلتقي بالسّر المتحرك الكامن في كل مظاهر الحياة في داخلها ، الناطق ، أبدا ، بعظمة الله ـ سبحانه ـ المنفتح على عمق الإبداع في ذاته المقدّسة ..
وهذا ما يجعل من الشرك سقوطا فظيعا من الأعالي الممتدّة في رحاب الله ، لأنه يرمي الإنسان في حضيض الوثنية المحدودة ، التي تحجز الذات في حدود ضيقة ، وتمنع الفكر من الارتفاع والسموّ ، وتنصب له حواجز ، فلا يتحرك إلا في أحاسيس اللذّة والشهوة ، وترفع له أكثر من جدار يفقد أمامه فرصة الامتداد في كل مجالات الحياة ، وتقوده إلى الاختناق داخل الزوايا المظلمة التي لا يصلها النور القادم من روح الله ، لأن الصنم يمثل الجمود والتحجّر الكامل ويفتقر إلى المعنى ، كونه شيئا في المادة العمياء الميتة ، إذ الموت هو فقدان الحياة ، وليس عدما كان بداية حياة. ولهذا فإن الشرك يمثل حالة سقوط للإنسان ، كما لو كان في السماء ثم خرّ إلى الأرض ، دون أن