يملك أيّ موقع للثبات ، (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) لتذهب به حيث تشاء ، فتطرحه في الأرض ، أو تأكله ، أو تمزقه وتتركه للرياح ، فلا يملك أن يستقر من موقع إراديّ ، (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) وهو يهوي ، لتلقي به (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد لا قرار له ، مما يجعله معزولا عن حقائق الحياة ، وعن قضاياها المتصلة بحركة المسؤولية ، لأن الذي يفقد التصور الصحيح لله في آفاق التوحيد ، لا يملك ثبات التصور وعمقه وامتداده حول الإنسان والحياة وطبيعة الصلة التي تربطهما بالله. وهكذا يسقط المشرك من مواقع السموّ إلى مواقع الحضيض ، ومن مواقف الارتفاع إلى مهاوي الانحدار ، في ما يفكر به ويشعر به ويعيشه في أكثر من مجال من مجالات الحياة ..
* * *
تعظيم شعائر الله علامة التقوى
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). تحدثت الآية السابقة عن تعظيم حرمات الله ، وأنه خير له عند ربّه لجهة ما يحصل عليه الإنسان من نتائج إيجابية على مستوى المصير نتيجة الوقوف عند حدود الله ، والابتعاد عن محرماته ، وفي هذه الآية حديث عن تعظيم شعائر الله التي تمثل العلامات البارزة في الخط الطويل الذي رسمه الله للإنسان في مسيرته إليه ، وحدد له فيه مفردات العبادة والمعاملة والعلاقة والانتماء. فقد جعل الله في كل موقع من مواقع الحياة علامة على أوامره ونواهيه ، في ما يصلح أمر الإنسان أو يبعده عن الفساد ، ليكون التزامه بتلك الأوامر ونواهي دليلا على طاعة الله ، حيث يلتقي الإنسان به عند كل حكم من أحكامه ، في مظهر حيّ من مظاهر الطاعة التي تتجسد في تعظيم الشعائر الدينية ، تعظيما لله .. ويتمثل ذلك في اهتمام الحاج بأن تكون الذبائح التي يقدّمها أضحية أو قربانا لله لجهة شكلها وحجمها