الآخر من الصورة ، فيستغرقون في الظلام حتى ينفتح عليهم النور فجأة في الوقت غير المناسب ، والمكان غير المناسب. ويبدأ التساؤل (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) لنؤمن من جديد ، ونتراجع عن خط الكفر ونطيع الله في ما أمرنا ونهانا ، وهذا تساؤل لا يبحث عن جواب ، ولكنه يعبّر عن حالة نفسية خانقة ، تثير الحسرة والندم في أعماقهم.
ولكن الله يستعيد موقفهم أمام نبيهم ، يوم كانوا يطلقون كلمات التحدي التي تختزن السخرية والاستهزاء عند ما كانوا يقولون له : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) [الأعراف : ٧٠] ، (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) [الشعراء : ١٨٧] ، ويطلق أمامهم التساؤل الذي يستبطن التحدي المضاد الحاسم.
(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) فكيف يواجهون الموقف أمامه بهذا الشكل من الاستهانة والسخرية ، وما الوسائل التي يملكونها للوقوف أمامه؟ وما الأسس التي يرتكزون عليها في إنكار ذلك؟
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) وأمهلناهم وفتحنا لهم كل أبواب الحياة الدنيا ، بما فيها من شهوات وطيبات ولهو ولعب (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) من العذاب ، فهل يجديهم هذا الإمهال نفعا ، وهل يدفع عنهم ضرّا؟ وماذا يجديهم أمام إصرارهم على الاستمرار في الكفر إلا زيادة في المسؤولية وخطورة في النتائج السلبية على مستوى قضية المصير؟ (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) لأن ذلك الجو من الشهوات واللذات واللهو واللعب سيزول ويتبخّر أمام رياح الفناء وستبقى تبعاته وسيّئاته.
وتلك هي مشكلة هؤلاء في مواجهتهم لدعوات الأنبياء في رسالاتهم ، فهم يتحركون من عقدة الرفض الكامنة في تعقيدات الذات ، ومن حالة الانفعال المريض الغارق في أجواء الكبرياء ، فلا يمنحون أنفسهم فرصة للتفكير ، ولا يتقدمون خطوة في ساحات الحوار ، بل يستغرقون في الحالة النفسية المرضية ،