حتى يواجهوا الاستحقاقات المصيرية عند ما يلاقون العذاب ، فيندمون حيث لا ينفعهم الندم ، ويتوسلون حيث لا مجال لأيّة وسيلة للتراجع.
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) يبلغونهم رسالات ربهم ، وينذرونهم نتائج الكفر والعصيان لتقوم عليهم الحجة ، فلا يملكون أيّة وسيلة دفاع عن موقفهم إذا امتد بهم الطريق في التمرد على الله ، (ذِكْرى) ليدفعهم الإنذار إلى الانتباه من الغفلة ، والتذكر لكل ما حولهم ، وما يقبلون عليه في المستقبل. وتلك هي فكرة العدالة التي يتحرك بها العقل الذي يحكم بقبح العقاب من دون إقامة الحجة ، ويأتي بها الوحي في قوله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ، (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) في إهلاكهم بعد إنذارهم بمختلف الأساليب ، وتذكيرهم بأنواع الوسائل.
* * *
(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ)
(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) الذين يعتقد الجاهليون أنهم يتنزلون على الكهان ، فيوحون إليهم بأخبار الغيب في أمور الكون والناس. وهذا ما حاول البعض أن يربط به المضمون القرآني لينسب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شخصية الكاهن الذي يأتيه الجن الشيطاني بما ينقله من الوحي وما يتحدث به من الغيب ، وهكذا أراد الله أن ينفي ذلك تأكيدا لما ذكره من أنه (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الواقعة : ٨٠] ، (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) لأنهم لا يمثلون التناسب والانسجام مع ما هو القرآن في مضمون الحق الذي يبشر به والهدى الذي يدعو له ، لأن نفوسهم مجبولة على الشرّ الذي تتحرك فيه عقولهم ، وتخفق به قلوبهم ، وتطوف به أخيلتهم وأحلامهم مما يجعلهم بعيدين عن ذلك كله (وَما يَسْتَطِيعُونَ)