وهو الرب ، ولأنهم المحتاجون إليه وهو الغنيّ ، ولأنهم المخلوقون الذين يستمدون كل شيء منه ، وهو الخالق ، فأيّ فضل لهم لا يرجع إليه؟! ولعل إثارة هذا السؤال في الموقف العقيديّ هو لتسجيل الفكرة ، لا لحاجتها إلى الإيضاح والتحليل. (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بما يتمثل فيها من عظمة الخلق ودقة الصنع ، وضخامة القوّة ، وتنوّع الخصائص والأشكال ، وروعة الإبداع ، وجلالة المظهر ، وحكمة التدبير ، واستقامة الحركة ، فهل بعد هذا كله من أحد هؤلاء الذين يتخذهم المشركون شركاء لله تعالى ، يستطيع خلق ذلك كله؟ فإذا كان الجواب هو النفي وهو الحقيقة الوجدانية التي تلتقي بالواقع وبالفطرة ، فهل هناك جواب إلا الله؟
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أفرأيتم هذا الماء الذي يهطل من السماء ، هل فكرتم في حقيقته وما هي عناصره ومكوّناته؟ وما هي الأسباب والقوانين التي حركته من مواقعه وأنزلته إلى الأرض في مواسم معينة ، فتفاعل مع ترابها وبذورها ، فأعطاها الحيوية والنموّ والحياة حيث تحوّلت إلى حدائق وبساتين تبهج النفس وتسحر النظر؟ وهل كنتم تستطيعون أن تقوموا بذلك بجهدكم الخاص بعيدا عما هي القوانين الطبيعية التي أودعها الله في الأشياء؟ وهل يمكنكم أن تنبتوا شجرها؟ وماذا تملكون من قدرات ذاتية في ذلك كله؟ هل هناك إلا الله وحده الذي أبدع ذلك كله كما أبدع كل شيء في الوجود؟
(أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) ليكون شريكا له في الألوهية وفي العبادة؟ وكيف يكون ذلك ، فيمن لا يملك من مواقع القدرة وعناصر القوّة ، في أيّ شيء ، إلا ما أقدره الله عليه؟ وهل هو افتراض معقول؟ (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) عن الخط المستقيم الذي يمثّل الحق كله في العقيدة والعبادة ، من دون حجة أو شبهة ، فيعملون على المساواة بين الله وبين غيره.