الذي يطلّ على الله في آفاق الكون الذي كان عدما فوجد بقدرته ، ومن موقع الصدق الذي يتمثل في الوحي الصادق الذي جاء به الصادق الأمين ، مما يجعل للتأكيد الحاسم عمق الصدمة التي تهز المشاعر لتخلق في داخلها الرهبة في ما يشبه المفاجأة التي تخاطب الأعماق. (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) إنه القسم العظيم الذي يجعل الله شاهدا على الحقيقة التي تأخذ وضوحها من عظمة قدرته التي لا ينكرها المشركون في كلّيّتها وإن غفلوا عن تفاصيلها. إنه الإيحاء الذي ينفصل فيه النبي عن خصوصيته الذاتية في ما هي القناعة الخاصة ، ليسمو إلى رحاب الله ، ليقول لهم إنه ربي الذي أوحى بذلك وهو الشاهد عليه ، والقادر على إبداع كل شيء ، مهما كان كبيرا أو عظيما في ذاته.
(عالِمِ الْغَيْبِ) الذي يحيط به ، سواء كان غيب الحاضر ، مما خفي عن الناس أمره ، أو غيب المستقبل الذي لا يملكون الطريق إلى معرفته ، فهو الذي يلاحق في علمه ذرّات التراب التي كانت جزءا من إنسان ، ويميز بينها وبين ذرأت إنسان آخر ، فيمنح هذه الحياة التي كانت لها دون أن يشتبه عليه ما يختلط منها بالذرات الأخرى ، و (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) لا يغيب عنه (مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) لأن مقادير الأشياء سواء كانت صغيرة في منتهى الدقة والخفاء ، أو كانت كبيرة في ضخامة الحجم ، تحضر في علمه الذي ينفذ إلى كل موجود في داخله ، كما تنفذ قدرته إليه في أصل وجوده وتدبيره في حركته في الحياة. (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) في اللوح المحفوظ ، أو في ساحة علمه الممتدة امتداد قدرته في آفاق عظمته.
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) بما يعفو عنهم من الذنوب التي أسلفوها وتابوا عنها ، أو ما بقي منها من الصغائر في ما غفلوا عنه ولم يتذكروه. وهؤلاء كانت قلوبهم قد انفتحت في حياتهم على الله ، من موقع الإخلاص له. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) جزاء لهم على ما عملوه ، حيث يرزقهم من نعيم الجنة ورضوان الله.