مرضية مستعصية ، فتعالوا إلى الحوار في كل جزئياتها وفي فكرها العامّ ، لأن الحوار هو الذي يفتح العقل على العقل ويفسح المجال لتكوين القناعات من أقرب طريق ... ولعلّ جمع الرسل ـ مع أن الآية لم تأت إلا على ذكر رسولين فقط ـ يعود إلى أن دعوة الرسل واحدة ، كما أن الحديث عن إتيانهم من بين أيديهم ومن خلفهم يحمل بعض الإيحاء بأنهم استخدموا كل الأساليب التي تطوق أفكارهم من كل جانب.
(قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) لأن البشر لا يعقل أن يكونوا أنبياء لأن النبوّة حالة غيبيّة سماويّة لا يحصل عليها أو يحملها إلا رجال الغيب السماويّون الذين يقتربون من قدس الله ، وهو أمر لا يحصل عليه أحد ، ولذلك فإن مسألة الإيمان بالبشر الذين يدّعون الرسالة ، كما تدّعونها ، غير واردة عندنا ، (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) لأنه لا يتناسب مع قناعاتنا التي ورثناها من أجدادنا ، ومع الخطوط العامة لموقع النبوّة.
* * *
استكبار عاد من موقع القوة الجسدية
(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فقد كانوا يتمتعون بالقوّة الجسدية ، ذلك أن الله زادهم بسطة في الجسد فكانوا من العمالقة ـ كما قيل ـ ولهذا شعروا بالتفوّق والعلوّ على الآخرين الذين كانوا أضعف منهم قوّة ، وهو ما يجعلهم يتحسّسون ضخامة الشخصية في مواقعهم وامتيازاتهم ، كما يتحسس البعض ضخامة أجسادهم ، فتحدث لديهم عقدة التفوق التي تدفعهم إلى الاستكبار والاستعلاء على الآخرين بما يخلقه ذلك من أنانية في الذات وفي الموقف الفكري والعقيدي الذي لا يخشع لفكر الآخرين ،