وإن كان حقا ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وقفوا وقفة استعراضيّة للقوّة التي يملكون حتى خيّل إليهم أنهم يملكون قوّة المطلق فقالوا ، وهم يتطلعون إلى من حولهم ، (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) .. ولكن المسألة ـ لديهم ـ مجرّد وهم كبير لا أساس له .. فهم يملكون بعض القوّة ، ولكن من الذي منحهم تلك القوة؟ ثم ما قيمتها أمام قوّة الله التي هي سرّ القوّة في كل شيء؟ فلا قوّة لأحد مهما كانت عظمته ، بدون قوة الله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ) من العدم وأعطاهم نعمة الوجود بكل مفرداتها التفصيلية (هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) لأن قوّته تمتد في كل شيء ، وتتسع لكل شيء (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) وتلك هي مشكلتهم المعقّدة وهي جحود الآيات الإلهية في الوجود والكلمة التي تطلّ على الحق في إشراقة الوضوح ، ولكنهم لا يواجهونها بعمق وواقعية وانتباه.
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) وهي الريح الشديدة السموم أو الشديدة البرد أو الشديدة الصوت ، (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي حاملة للتشاؤم ، لما تحتويه من قسوة في حركة الزمن ، كما في أيّام فصل الشتاء التي تنذر بالعواصف ، بحيث تكون الريح الباردة أو العاصفة من نتائج هذه الأيام في موقعها الفصلي من السنة على حسب الأوضاع الطبيعية.
* * *
إشكالية السعد والنحس في الزمن
ليس من الضروري أن يعني ذلك وجود شؤم يتصل باليوم ذاته ، ليكون لدينا أيّام سعد وأيّام نحس ، كما هو المشهور بين الناس ، وكما هو المأثور في بعض الروايات ، فإن الزمن واحد لا فرق في طبيعته من حيث خصائصه الذاتية ، ولكن الله قد يتعبد خلقه بالاحتفال بيوم ، كيوم العيد لمناسبة معينة وقد