الجدال ، فالمؤمنون ينطلقون فيه من موقع البحث عن الحق ، بينما ينطلق الكافرون فيه من موقع الاستكبار واستعراض القوة التي يفرضونها على الموقف ..
(فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) الذي يحاولون فيه البروز بمظهر قوي لإثارة الرهبة والخوف في نفوس الناس من خلال مواقع السلطة التي يملكونها ، أو الوسائل العنيفة التي يحركونها ، أو غير ذلك. فلا تعتبر تقلبهم في البلاد مظهر ضغط قويّ شامل ، لأنه سينتهي إلى زوال إن عاجلا أو آجلا ، بل انظر إلى ما يختزن في داخله من نقاط الضعف ، لا إلى ما يبرز في ظاهره من نقاط القوة .. فليسوا أوّل الناس الذين يتحركون بهذه الطريقة ، فقد جاءت أمم قبلهم ، كانت على شاكلتهم في الاستكبار والعناد والتكذيب ، ولكنها تبخّرت مع الزمن ، وسقطت أمام بأس الله.
* * *
جدالهم بالباطل لإسقاط الحقّ
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم عاد وثمود ولوط وغيرهم ، كما كذب هؤلاء (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) فواجهوه بالعناد والتكذيب ، وضغطوا عليه بكل الوسائل ، وعذبوه بما استطاعوا أن يعذبوه به ، ليسقطوا موقفه ، وليضعفوا موقعه ، وليفرّقوا الناس عنه ، (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) فاستغلوا كل العوامل النفسية القلقة التي تعيش في وجدان الناس من حولهم ، وتتحرك في مشاعرهم ، لجهة ما يعيشونه من تقديس لعقائد الآباء والأجداد ، وما يرتبطون به من قضايا الحسّ ، وما كانوا يقترحونه من معجزات على الأنبياء الذين لا يملكون الإتيان بها إلا بإذن الله ، فحكمة الله لا تقتضي الاستجابة لكل مقترحات الناس التعجيزية ، لأن النبي لم