إن هذا القرآن الذي أتيتكم به هو من عند الله (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) كما تفعلون الآن (مَنْ أَضَلُ) منكم عند ما لا تواجهون هذا الاحتمال بالتفكير المسؤول أمام الضرر المحتمل الذي ينتظركم بل تتحركون ، بدلا من ذلك ، في إثارة الخلاف والشقاق حوله من دون حجة ، فهل هناك أحد أكثر ضلالا (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) وهو النموذج المتمثل بكم.
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) في ما يظهر لهم حقائق القرآن وأسراره مما يكشفه الله في الكون (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) مما يواجههم من الحوادث التي تؤكد أخباره ومفاهيمه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) الذي لا مجال فيه لأيّ شك أو شبهة ..
* * *
(اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فإن وضوح الحق ، مرتكز على الحضور الإلهي في كل الأشياء التي لا تغيب عن الله في حاجتها إليه في كل شيء ، ولا يغيب الله عنها في خلقه وتدبيره في أيّ حال ، وذلك الحضور يؤكد الحقائق الدينية التوحيدية التي جاء بها القرآن.
(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) ولذلك فإنهم لا ينفتحون على آفاق العقيدة من موقع المسؤولية ، لأنهم لا يؤمنون بلقاء الله ليخافوا من عذابه ، ولكن لماذا لا يفكر هؤلاء ، أنهم إذا لم يحيطوا بالحقيقة التوحيدية الإلهية ، فهل أنهم يبتعدون عن رقابة الله وتدبيره وسيطرته ، (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) فهو ـ وحده ـ الذي يحيط بالكون كله ولا شيء إلا وهو داخل في دائرة إحاطته التكوينية .. مما يفرض على الأشياء كلها الخضوع له والإقرار بوحدانيته والانقياد إليه في كل أوامره ونواهيه.
* * *