الوحي الإلهي الغيبي للأنبياء البشر
(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالله هو المصدر الذي ينتهي الوحي إليه ، سواء تعلق الأمر بك أو بالنبيين من قبلك .. فمن آمن بنزول الوحي بهذه الطريقة الغيبية ، على الرسل السابقين ، فلا بد من أن يؤمن بنزول الوحي عليك ، لأن العمق الغيبيّ في الوحي واحد في الجميع. وبهذا تطال «كاف التشبيه» طبيعة الوحي ، لا تفاصيله ، كما ذهب إليه بعض المفسرين الذين قالوا : إن الآية تتحدث عن مضمون السورة التفصيلي الذي يتفق برأيهم مع المضامين التي أوحى الله بها إلى الأنبياء من قبله ، ولكن الأقرب هو ما ذكرناه ، لأن المسألة التي كانت محل بحث في ذلك الظرف ، هي إمكانية الإيمان بنزول الوحي ، على نبيّ بشري ، لأن الوحي الإلهي الغيبي بنظرهم يتصل بالشخصيات الغيبية كالملائكة.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فهو المحيط بالكون كله ، العالم بكلّ خفاياه ، القويّ الذي لا يغلب ، الحكيم الذي لا يعبث ولا يخطئ.
(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) الذي لا يدانيه أحد في علوّه ولا يقاربه أحد في عظمته ، وفي ضوء هذا فإن الله الذي يملك الأمر كله ، ويشرف على كل دقائقه وتفاصيله ، ويعرف كل خباياه وخفاياه ، هو الذي يدير حياة الإنسان عبر الرسول والرسالة ، وهو الذي يختار رسله من بين عباده ، سواء كانوا من رجال الغيب أو من رجال الشهود ، لأن الغيب والحس يختلفان بالنسبة للناس الذين يعيشون عالم الحس ولا يستطيعون النفاذ إلى عالم الغيب ، أو الاتصال به ، ذاتيا ، ولكن الله قادر على أن يربط الغيب بمواقع الشهود ، فيصطفي رسله من الناس ، ويمنحهم القدرة على الاتصال بالغيب المنفتح على الوحي ، انطلاقا من قوته وحكمته ، وعلوّه وعظمته ، وملكه للكون كله.
* * *