(وَيَقْدِرُ) : يضيّق.
* * *
عروبة القرآن ومهد الدعوة
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) بلغته وأسلوبه (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وهي مكة (وَمَنْ حَوْلَها) من أهل الجزيرة العربية ، والغاية من عروبة القرآن ، هي أن يفهم هؤلاء الدعوة لاستعمالها لغتهم التي يعرفونها ويملكون أسرارها وعناصر ثقافتها ، ولعل التركيز على هذه المنطقة باعتبارها الساحة التي تنطلق فيها الدعوة وتتحرك منها الحركة الإسلامية .. لأن من الضروري لكل دعوة أن تكون لها نقطة انطلاق وقاعدة حركة ، وكان من الطبيعي للنبي العربي أن تكون قاعدته المنطقة العربية ، وأن يجعل انتماؤه إلى قريش ومكة موقع دعوته الجغرافية مكة ، والبشرية قريش. ولهذا قال الله له : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: ٢١٤] فليس من المعقول أن يترك النبي أهله وعشيرته وبلده ، ليتجه ـ في البداية ـ إلى إنذار قوم آخرين ، لأن هؤلاء الناس سوف يسألونه لماذا لم تبادر إلى إنذار قومك ودعوتهم قبل أن تنذرنا ، وقد يتساءلون عما إذا كانت هناك نقاط ضعف في شخصيته ، يعلمها قومه فيه ، أو نقاط خلل في دعوته لا تخفى على قومه .. فهرب منهم إلى قوم آخرين.
ولهذا كانت الانطلاقة الأولى في مكة ، لتكون قاعدة الدعوة ، باعتبارها مركزا يجتذب ما حوله من القرى ، فهي عاصمة المنطقة من الناحية الدينية والتجارية والثقافية ، مما يجعلها النقطة المركزية التي يلتقي فيها الجميع ، ويتناقل أخبارها كل ما حولها نظرا للأهمية الكبرى التي يضفيها الموقع على تلك الأخبار. لذا فإن الصراع الذي دار بين النبي وبين قريش في مكة أحاط الدعوة بقدر كبير من الاهتمام لاقته من شعب المنطقة ، نظرا لملاحقة الناس