لهم من دون الله ، وانتصروا بهم في الدنيا ، وأمّلوا أن ينصروهم في الآخرة ، لا يملكون لهم شيئا ، لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا فكيف يملكونه لغيرهم ، وما قيمة قوّتهم أمام قوة الله حتى ينصروهم من الله؟! ولذلك يدخلون النار من دون أن يخلصهم أحد منها ، بينما يدخل المؤمنون الجنة بإيمانهم وعملهم الصالح.
* * *
ما المراد بجعلهم أمّة واحدة؟
وقد ذكر في الميزان «أن المراد بجعلهم أمة واحدة هو التسوية بينهم بإدخال الجميع في الجنة وإدخال الجميع في السعير ، أي أنه تعالى ليس بملزم بإدخال السعداء في الجنة والأشقياء في النار ، فلو لم يشأ لم يفعل ، ولكنه شاء أن يفرّق بين الفريقين. وجرت سنته على ذلك ووعد بذلك ، وهو لا يخلف الميعاد» (١) ، وقد اعترض على ذلك صاحب الكشاف الذي فسّر الآية بما فسرناها به. «بأن الآيات ـ كما عرفت ـ مسوقة لتعريف الوحي من حيث غايته ، وأنّ تفرق الناس في يوم الجمع فريقين ، سبب يستدعي وجود النبوة والإنذار من طريق الوحي وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) مسوق لبيان أنه تعالى ليس بمجبر على ذلك ولا ملزم به بل له أن لا يفعل ، وهذا المعنى يتم بمجرد أن يجعلهم متفرقين فريقين بل أمّة واحدة كيفما كانوا ، وأمّا كونهم فرقة واحدة مؤمنة بالخصوص فلا مقتضى له هناك» (٢).
ونحن نلاحظ على ذلك ، أن ظاهر الآيات هو تأكيد جانب الاختيار الذي أراد للناس أن يواجهوا به مسألة الإنذار الذي يتضمنه الوحي النازل من الله ، ليختاروا مصيرهم باختيارهم الطريق الذي يؤدي بهم إلى الجنة ، أو الطريق
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٢٠.
(٢) (م. ن) ، ج : ١٨ ، ص : ٢٠ ـ ٢١.