لا قيمة لاستغرابهم لأن يكون النبيّ منهم ، في الوقت الذي لم يكن في الموقع الكبير الذي يتناسب مع مركزهم .. لأن الله هو الذي يصطفي رسله ويجتبي أنبياءه ، عبر مقاييس تختلف عن مقاييسهم ، فإذا كانوا يعتبرون المال والقوّة والمركز الاجتماعي ونحوها من الأسس التي يرتكز عليها الموقع النبوي ، إذا أمكن للبشر أن يكونوا أنبياء ، فإن الله يعتبر العقل والروحية والخلق العظيم والكفاءة الرسالية في إبلاغ الدعوة والثبات في مواقع الاهتزاز ونحو ذلك مما يؤهل الإنسان لاحتلال موقع متقدم يلتقي فيه هي المقياس الذي يرفع من مقام الإنسان لديه ويعلي من درجته.
(اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) فهو الذي يصطفي من عباده من يتميزون بالمواصفات التي تؤهلهم لاحتلال الموقع الرسالي ، فهو «أعلم حيث يجعل رسالته» .. وهناك وجه آخر لتفسير هذه الفقرة ، وهو ما ذكره في تفسير الميزان من أن المقصود أن «الله يجمع ويجتلب إلى دين التوحيد ـ وهو ما تدعوهم إليه ـ من يشاء من عباده» (١). ولكن هذا التفسير يجعل كلمة (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) بمثابة التوضيح للأولى ، بينما تكون الفقرتان مختلفتين على التفسير الأول ليكون قوله تعالى : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) بمثابة إشارة إلى هؤلاء الذين يرجعون إلى الله ويخلصون له من موقع الإيمان العميق ، فيهديهم الله إليه ويوفقهم إلى ذلك ، والله العالم.
* * *
بين العلم والأنانية
(وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فلم ينفتحوا على العلم من القاعدة الأخلاقية التي تمتد في شخصية العالم وتمنحه روحية التواضع لله ، والخضوع للحق ، والانفتاح على الحوار الفكري الذي يقود إلى النتائج
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٣٠.