ذلك أنّ ما يريده الله من الإنسان المسلم الداعية ، أن ينطلق في دعوته من موقع التحديد الدقيق للفكرة الإسلامية ، فلا يدخل فيها شيئا من أفكار الباطل ليقرّبها إلى الناس الذين قد لا يرغبون في الحق إذا لم يكن ممزوجا بالباطل ، فيعمد بعض الدعاة إلى التساهل في المفاهيم ، ويفسح المجال أمام الانحراف لأن يزحف إليها ، طلبا لرضى الناس من خلال ذلك ، وهو ما يحدث غالبا في بعض الأجواء الثقافية المعاصرة التي يشن فيها بعض المثقفين ممن يحملون فكرا غير إسلاميّ ، حربا إعلاميّة نفسيّة ضد المسلمين الملتزمين ، فيتهمونهم بالتطرف والتعصب والتعقيد لجرّهم إلى تقديم التنازلات والالتزام ببعض مفاهيم الباطل ، بذلك يحصلون على صفات التسامح والاعتدال والواقعية .. التي تقرّبهم من المجتمع وتجعلهم مرضيّين عنده ، وهكذا يستمر الضغط بهذه الطريقة في كل موقع من مواقع الإسلام التي يحتاج فيها الباطل إلى موقف إسلاميّ متسامح لحسابه ليقدّم المسلمون التنازلات حتى ينتهي الأمر بهم إلى التنازل عن الإسلام نفسه ..
لهذا ، فإن اعتبار الإسلام هو المقياس الذي نقيس به اتجاه التطرف والاعتدال والتسامح والتعصب ، أمر ضروريّ ليستقيم للدعاة الإسلاميين دينهم الحق ، ولتتوازن خطواتهم الفكرية والعملية على خط الإسلام فكرا وعملا وحركة ، لأن المفهوم الإسلامي يقضي بأن يخضع الواقع للإسلام ، ويتغيّر على أساسه ، لا أن يخضع الإسلام للواقع لنغيّر الإسلام من خلاله ..
لا تتبع الأهواء
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فإن ما عندهم من عقائد وعادات وأوضاع لم ينبع من دراسة فكرية عميقة للمصالح والمفاسد التي تكمن في داخلها ، بل من الأهواء التي تحركها الانفعالات والأحاسيس في ما يشتهونه ، وما يتحسسونه ، على مستوى الأهواء الفردية التي يلتقي عليها الأفراد ، أو على مستوى الأهواء الطبقية ، في ما يلتقي عليه أفراد الطبقة المستغلة المسيطرة على الوضع كله ، أو