على مستوى شخص واحد مهيمن ، ممن يسمّيه الناس ملكا أو أميرا أو رئيس عشيرة ، أو شخصا صاحب سيف أو مال .. ولذلك فإنها لا تصلح لتكون أساسا للاتباع ، لأنها لا تبني للإنسان حياته على قاعدة قوية ثابتة ، لأن الأوضاع التي ترتكز على الانفعالات ، سوف تسقط أو تتبخّر عند ما ترتبك تلك الانفعالات أو تهتز القضايا التي أثارتها وحرّكتها في داخل الواقع.
وقد نستوحي من هذه الفقرة التي تنهى عن اتباع الأهواء ، أنّ التوجيه الإلهي لا يريد للإنسان أن يجعل حركته في الحياة تابعة لهواه ، أو لهوى الآخرين ، لأن ذلك لن يحقق للحياة الإنسانية عمقا وامتدادا .. بل لا بد له من أن يدرس الأشياء بعمق ودقة كي يستطيع اكتشاف صلاحه في الدنيا والآخرة.
* * *
الله جامع الناس بربوبيته
(وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) فتعالوا لننطلق من هذا الإيمان إلى إيجاد قاعدة للّقاء ، فإني أؤمن بالتوراة والإنجيل والقرآن ، فلنتحاور حول ذلك ، لنتفق ـ من خلال الحوار ـ على الوحي الإلهي حتى ننفتح على الحقيقة من خلاله ، (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) فلست نبيّا يريد السيطرة على الساحة كلها من خلال تعميم القناعة بدعوته من أجل أن يظلم الناس ، بل إنني جئت بالعدل لكل الناس ، سواء كانوا ممن يستجيبون لي ولرسالتي ، أو كانوا ممن لا يستجيبون لي ولها ، لأن مسألة العدالة لا تفرق بين الأتباع وغير الأتباع ، ولا بين الأعداء والأصدقاء ، والأنبياء لن يصبحوا من الجبارين عند ما يبلغون مراكز القوّة ، بل هم من الرحماء العادلين الذين يحركون قوّتهم في خط رسالتهم .. ويحرّكون رسالتهم من أجل حلّ مشكلة الحياة كلها ، والناس كلهم.
(اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) هذه حقيقة واضحة أقدّمها لكم لنلتقي عليها إذا كنتم تؤمنون بالله ربّا ، فهو الذي يجمعنا بربوبيته ، في ما نستشعره من رعايته ولطفه وحنانه ورحمته ، من خلال الشعور بحضوره في كل وجودنا.