تلازم المصيبة والعمل السيئ
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) فإن هناك نوعا من الترابط بين الأعمال الإنسانية السلبية ذات البعد الاجتماعي الذي يطال الحياة العامة والخاصة للناس ، وبين نتائجها الصعبة من مصائب تطال الناس في أجسادهم وعقولهم ، وأوضاعهم الغذائية والاقتصادية والأمنية ، باعتبار أن خصائص الأعمال ونتائجها تتداخل في الحياة ، تماما كما هو السبب بالنسبة إلى المسبّب ، وهي سنّة كونية اقتضت وجودها الحكمة الإلهية ، فإذا كان العمل خيّرا في طبيعته فلا بد من أن ينتج الخير للإنسان ، وإذا كان العمل شرا في مضمونه ، فلا بد من أن ينتج الشرّ للإنسان .. وقد يكون وقوع المصائب على هذه الصورة لونا من ألوان العقوبة الإلهية التي جعلها الله جزءا من النظام الكونيّ لربط الإنسان بنتائج أعماله ، في ما قدره الله للكون من العقوبة التكوينية ، أو الثواب التكويني ..
وإذا انحرف الناس عن القيم الروحية والأخلاق في أعمالهم ومارسوا الشرك في عبادتهم ، وعاشوا الأنانية في علاقاتهم ، واستعملوا الكذب والغش والخيانة والنفاق ونحوها في أقوالهم وأفعالهم .. فلا بد من أن ينعكس ذلك على مصيرهم ، لأن لهذه الأمور أثارا ونتائج طبيعية تنعكس في حركة الحياة التي يعيشون ، ولذلك فلا بد لمن يريدون تغيير واقعهم السيّئ ورفع ما يحيط بهم من مصائب عامة من العمل على تغيير المجتمع العملي في الحياة ، لأنهم لن يستطيعوا تغيير النتائج من دون تغيير المقدمات .. وإذا كان هناك بعض الناس الخيّرين الذين يعيشون مشاكل خاصة في أبدانهم وأوضاعهم ، فليس ذلك إلا نتيجة الوضع العام السيئ من جهة ، ذلك أن البلاء من العام لا بد من أن يسري إلى الخاص ، أو نتيجة بعض الخصوصيات الذاتية السلبية من جهة أخرى.