الظالمون يوم القيامة
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) .. ويبقى الحديث عن الذين سلكوا طريق الضلال ، بعد أن فتح الله لهم أبواب الهدى ، فلم يدخلوها ، فأضلّهم الله ، بأن أسلمهم لما اختاروه من الضلالة عند ما التزموا بولاية غيره ، وبعبادة الآلهة التي يزعمونها .. ورفع عنهم ولايته فضلّوا سواء الطريق وواجهوا الحقيقة التي تفرض سقوط ولاية كل شخص غير الله ، في النصرة والرعاية ، ووقفوا وجها لوجه أمام المصير الأسود في عذاب جهنم (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) الذي ينتظرهم ليعيشوا الخلود معه (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) في تساؤل مرير يحاول أن ينفذ إلى بعض الثغرات التي تفتح لهم مجالا للهروب .. وربما كان هذا التساؤل منطلقا من حالتهم النفسية الضاغطة ، التي تطلب بعض التنفيس عن الضغط الداخلي ، في ما يشبه التمنيات المستحيلة ، وهنا يبرز مشهد هؤلاء الذليل في رعبهم وفزعهم وانسحاقهم وحيرتهم أمام المصير المحتوم (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي على النار ، فها هم في هذا الموقف يقفون في مقامهم لتستعرضهم النار ، من دون حول وقوّة ، لتأكلهم وتلتهمهم بعد ذلك ، تماما كما يقف المحكوم بالإعدام أمام أدوات الموت ، فتتحول النار ، في جوّ الآية التعبيري ، إلى كائن حيّ قويّ يستعرض الظالمين في عملية تحديد للخيارات التي يتخذها ضدهم وهم لا يستطيعون تحديد أيّ خيار للردّ (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) الذي يعيشون فيه الانسحاق والسقوط أمام المصير المحتوم ، بدلا من أن يكونوا خاشعين لله من خلال التزامهم بطاعته في الدنيا ، وفي موقفهم أمامه يوم القيامة حيث يكون الخشوع الروحيّ انفتاحا على ما ينتظرهم من رضوانه ونعيمه الدائم في جنته ، (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) لا يملكون فتح عيونهم ليحدّقوا بها بنظرة واسعة مملوءة بالمشهد الذي يواجههم ، لأنهم لا يطيقون تصوّر ما توحي به من رعب وفزع ، فيسترقون النظر استراقا حبا بمعرفة ما فيها ، ويغضون الطرف هربا منه ولو بعض الشيء.
* * *